أدمغة الطيور مقابل أحدث تقنيات الملاحة الجوية
أدمغة الطيور مقابل أحدث تقنيات الملاحة الجوية

أدمغة الطيور مقابل أحدث تقنيات الملاحة الجوية
القدرات الاستثنائية في عالم الطيران لأدمغة الطيور الصغيرة بحجمها والهائلة بقدراتها مُقارنة بكل تقنيات المِلاحة الجَوية المُزَودَة بها قَمَرة قيادة الطائرات الحديثة.

المقدمة:
الدماغ المذهل للطيور ومقارنته بأجهزة قمرة القيادة للطائرات
تُعد الطيور من المخلوقات الاستثنائية التي تتميز بقدرتها على الطيران لمسافات طويلة بدقة مُتناهية وكفاءة عالية جداً. وعلى الرغم من صغر حجم أدمغتها، فإن الطيور تمتلك قدرات معرفية وملاحة مُذهلة تنافس الأجهزة المُتقدمة الموجودة في قمرة قيادة الطائرات.
في هذا المقال سأستعرض لكم بنية الدماغ لدى الطيور وقدراته، بالإضافة إلى الأجهزة والأنظمة المستخدمة في قمرات قيادة الطائرات، وسأقوم بمقارنة بين هذين النظامين، مُبرزا الكفاءة الرائعة والعالية لدماغ الطيور في الملاحة والطيران.
1. دماغ الطيور: الحجم والقدرات:
أ. الحجم والتشريح
يعد دماغ الطيور أكبر نسبيًا مقارنةً بالحجم الجسماني من معظم الزواحف غير الطائرة، ويقارن أيضًا مع الثدييات. على الرغم من صغر حجمه المطلق (على سبيل المثال، دماغ الحمامة يزن حوالي 2 جرام)، فإن الطيور تظهر وظائف إدراكية عالية بسبب الكثافة الكبيرة للخلايا العصبية، خاصة في الدماغ الأمامي حيث يقوم الجزء العلوي في دماغ الطيور (المماثل للقشرة الدماغية في الثدييات) بالتحكم في السلوكيات المُعقدة والتعلم.
ب. قدرات الملاحة:
تستخدم الطيور مجموعة من السلوكيات الفطرية والمُكتسبة للملاحة، بما في ذلك:
1. الاستشعار المغناطيسي: الطيور قادرة على اكتشاف المَجال المِغناطيسي للأرض من خِلال خلايا مُتخصصة تحتوي على ( مغنيتيت – magnetite ) أو بروتينات (فوتورسيبتور – photoreceptor مثل (الكريبتوكروم – cryptochrome ) في عيونها.
المغنيتيت – Magnetite:
هو معدن طبيعي مغناطيسي يتكون من أكسيد الحديد (Fe3O4Fe_3O_4Fe3O4) في سياق علم الأحياء، ويُعتقد أن (المغنيتيت ) يلعب دورًا في استشعار المجال المغناطيسي (المغناطيسية الحيوية) وهي القدرة التي تمتلكها بعض الكائنات الحية على الإحساس بالمجالات المغناطيسية كما تحتوي خلايا بعض الحيوانات، مثل الطيور والنحل وبعض أنواع البكتيريا، على بلورات مجهرية من (المغنيتيت) تعمل كالبوصلات الصغيرة، مما يساعدها على التنقل والترحال من خلال استخدام المجال المغناطيسي للأرض.
الكريبتوكروم – Cryptochrome:
(الكريبتوكروم) هو نوع من بروتينات المُستقبلات الضَوئية الموجودة في خلايا العديد من الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات والحيوانات وحتى البشر. تكون هذه البروتينات حساسة للضوء الأزرق وتلعب أدوارًا في تنظيم الإيقاعات اليومية (الساعات البيولوجية) وفي استشعار المَجال المغناطيسي لدى بعض الحيوانات فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن (الكريبتوكرومات) الموجودة في عيون الطيور تتفاعل مع المجال المغناطيسي للأرض لمساعدتها على التوجيه والملاحة أثناء الهجرة.
2. الإشارات البصرية: يعتمدون على المعالم والتضاريس الأرضية إضافة الى مواقع النجوم، وموقع الشمس للتوجيه.
3. حاسة الشم: بعض الطيور، مثل الحمام الزاجل، تستخدم حاسة الشم لتحديد موقعها.
4. خرائط ذهنية: تقوم الطيور بإنشاء خرائط ذهنية تقوم بحفظها في عقولها وهذه الخرائط تجمع بين المُدخلات الحسية التي تُساعدها على تذكر الطرق والمسالك الملاحية والتكيف مع بيئات جديدة.
ج. التكيف والتعلم:
تُظهر الطيور مهارات مُذهلة في حل المُشكلات، والاحتفاظ بهذه الحلول في ذاكرتها ، إضافة للتعلم الاجتماعي فيما بينها فعلى سبيل المثال، أظهرت الغربان والببغاوات استخدام الأدوات المُتاحة امامها والتواصل المُعقد فيما بينها.
2. الأجهزة والمُعدات في قمرة قيادة الطائرات:
قمرة قيادة الطائرات مزودة بأجهزة متطورة لضمان السلامة والكفاءة في الملاحة، والاتصال، والتحكم.
أ. الأجهزة الرئيسية ووظائفها:
1. مؤشر الاتجاه (الأفق الصناعي – Artificial Horizon): يعرض توجيه الطائرة بالنسبة للأفق.
2. مقياس الارتفاع (Altimeter): يقيس الارتفاع فوق مستوى سطح البحر.
3. مؤشر سرعة الهواء (Airspeed Indicator): يعرض سرعة الطائرة بالنسبة للهواء.
4. مؤشر السرعة الرأسية (Vertical Speed Indicator): يعرض مُعدل الصعود أو الهبوط.
5. مؤشر الاتجاه (Heading Indicator): يعرض اتجاه الطائرة بالنسبة للشمال المغناطيسي.
6. نظام تحديد المواقع العالمي (GPS): يوفر بيانات الموقع والملاحة في الوقت الفعلي.
7. نظام إدارة الرحلة (Flight Management System): يدمج بيانات الملاحة والأداء لمساعدة الطيارين في تخطيط الرحلات.
8. أنظمة الطيار الآلي (Autopilot Systems): والتي تساعد في الحفاظ على الارتفاع، السرعة، والدوران، مما يقلل من عبء العمل على الطيارين.
9. أجهزة الراديو للاتصالات (Communication Radios): تسهل الاتصال مع مَراكز مُراقبة الحركة الجوية الأرضية والطائرات الأخرى.
10. أنظمة مُراقبة المُحرك (Engine Monitoring Systems): والتي تعرض معايير أداء المُحرك مثل مُستويات الوقود، درجات الحرارة، والضغوط.
ب. أنظمة مزدوَجَة وتعقيداتها:
تم تصميم أنظمة الطائرات بإضافة العديد من الأنظمة الموجودة في غرفة القيادة وتكرارها لضمان الموثوقية في حالة حدوث عطل ما بأحد الأنظمة العاملة اثناء الرحلة فيقوم النظام الإضافي بأخذ مكانه مباشرة وعلى سبيل المثال، قد يحتوي طراز الطائرة النفاثة النموذجية على أنظمة رئيسية واحتياطية للملاحة والاتصالات والتحكم في الطيران لضمان تحليق الطائرة بأمان في الجو.
3. المقارنة: دماغ الطيور مقابل الأنظمة والأجهزة الملاحية في قمرة قيادة الطائرات
أ. الملاحة والتحكم في مسار الطيران:
• دماغ الطيور:
الطيور تقوم بالملاحة باستخدام الاستشعار المغناطيسي، المعالم البصرية، وإشارات حاسة الشَم لديها. هذه العملية ذاتية بشكل كبير، حيث تتكيف الطيور مع التغيرات البيئية دون مساعدة خارجية.
• قمرة قيادة الطائرات:
تعتمد الطائرات على أنظمة خارجية مثل الأقمار الصناعية في تحديد موقعها من خلال استخدام نظام الموقع العالمي المعروف بالاختصار (GPS)، إضافة الى مراكز مراقبة الحركة الجوية على الارض، وأجهزة الاستشعار على متن الطائرة. وأي عطل في أي من هذه الأنظمة قد يُعرض سلامة الرحلة للخطر.
ب. الكفاءة في استهلاك الطاقة:
• دماغ الطيور:
استهلاك الطاقة لدماغ الطائر ضئيل مُقارنةً بقدراته كما يحقق كفاءة استثنائية في مُعالجة البيانات الحسية واتخاذ القرارات.
• قمرة قيادة الطائرات:
تتطلب أنظمة الطائرات الكهربائية طاقة كبيرة، حيث تقوم الوحدات المساعدة للطاقة (APU) أو المحركات بتوليد الطاقة لتشغيل هذه الأجهزة.
ج. الاستقلالية والتكيف:
• دماغ الطيور:
الطيور تتكيف بشكل مُستقل مع الظروف المُتغيرة مثل التغيرات في الطقس، التهديدات من الحيوانات المُفترسة، ومناطق الاضطرابات والجيوب الهوائية.
• قمرة قيادة الطائرات:
يقوم الطيارون والأنظمة الأرضية المُشرفة على المسارات والخطط الملاحية للطائرات بتوفير إشرافًا بشريًا حيويًا مُباشراً على الملاحة الجوية للطائرة وحتى مع استخدام الطيار الآلي أثناء التحليق ، فإنه لا يمكن للنظام الالكتروني داخل غرفة القيادة التعامل مع الأحداث غير المتوقعة كما تفعل الطيور.
د. المعالجة الإدراكية مقابل الأنظمة الرقمية:
• دماغ الطيور:
يقوم دماغ الطيور بمعالجة كميات ضخمة من المعلومات في آن واحد وفي الوقت الفعلي، مُدمجًا الإشارات البصرية والمغناطيسية والحسيَة بشكل سهل وسلس
• قمرة قيادة الطائرات:
تتطلب الأنظمة الرقمية أجهزة استشعار وأجهزة مُنفصلة لتحقيق ما يفعله دماغ الطائر بشكل طبيعي، مع تعقيد حسابي كبير.
4. التداعيات والرؤى:
كفاءة دماغ الطيور هي مُعجزة من معجزات الخالق، حيث يقوم بمهام تتطلب مَجموعة كاملة من الأنظمة الإلكترونية في الطائرات بينما الطيور تحقق ذلك بفضل:
1. هيكل مدمج وخفيف الوزن.
2. استهلاك طاقة ضئيل.
3. قدرة فطرية على المِلاحة لمسافات شاسعة دون الحاجة إلى توجيه خارجي.
بينما توفر أنظمة الطائرات الدقة والمَوثوقية على نِطاق واسع ولكنها لا تستطيع منافسة الكفاءة البيولوجية وقابلية التكيف لدماغ الطيور وهذه المقارنة تبرز عبقرية الأنظمة الالهَية التي في اغلب الأحيان يسعى المهندسون والعلماء والباحثون إلى مُحاكاتها في تصميمات مُحاكاة حيوية.
وكي نتعرف أكثر على مدى الكفاءة البيولوجية وقابلية التكيف الفائقة لأدمغة الطيور وقدراتها الملاحية في عالم الطيران والسفر والترحال لمسافات بعيدة جدا عن موطنها الأصلي والعودة ثانية اليها دعونا نتعرف على نوعان من الطيور اللذان أثاروا دهشة واعجاب الباحثين وعلماء الاحياء.
1 – الصقر الشاهين (The Peregrine Falcon): أسرع كائن حَي على كوكب الارض
2 – النورس القطبي (Arctic Tern): صاحب أطول رحلة هجرة لأي كائن حي على كوكب الأرض.
1 – الصقر الشاهين ورحلات هجرته الاستثنائية
الخصائص الجسدية للصقر الشاهين (The Peregrine Falcon ):
تُعتبر إناث الصقر الشاهين أكبر حجمًا من الذكور. يتراوح وزن الإناث بين 700 و1100 غرام ويصل طول جناحيها إلى 100-110 سم كما يبلغ طول أجسامها عادةً بين 45 و58 سم وهذا الحجم والبنية يساهمان في قدراتها الفريدة على الصيد وكفاءتها الهوائية.
التوزيع الجغرافي والهجرة:
الصقر الشاهين من بين أوسع الطيور الجارحة انتشارًا، حيث يتواجد في كل قارات العالم باستثناء القارة القطبية الجنوبية. يفضل العيش في البيئات المَفتوحة مِثل وديان الأنهار والسواحل وسلاسل الجبال، لكنه تكيف بشكل كبير مع البيئات الحَضَرية، حيث يبني أعشاشه على المباني العالية والجُسور. بعض مجموعات الصقر الشاهين تعيش في بيئة مُستقرة لا تُغادرها الى أماكن أخرى ، بينما هناك مَجموعات أخرى تقوم برحلات هجرة طويلة جداً فعلى سبيل المثال، تهاجر الصقور التي تعيش في التندرا القطبية الشمالية إلى أمريكا الجنوبية، حيث تقطع آلاف الكيلومترات مما يعكس القدرات الهائلة لهذا النوع من الطيور في الهجرة لمسافات طويلة.
أنماط الهجرة والمسافات اليومية:
خلال الهجرة، يمكن للصقر الشاهين أن يقطع مسافات كبيرة يوميًا. في المتوسط، يسافر حوالي 192 كيلومترًا (119 ميلًا) في اليوم بسرعة طيران تتراوح حوالي 33 كم/ساعة في حالة الاسترخاء ومع ذلك، قد تختلف هذه الأرقام بناءً على الظروف الجوية وتوفر الفريسة وصحة الفرد من هذه الطيور وقد سجلت بعض طيور الشاهين قطعها لمسافات هائلة في يوم واحد، مثل السفر مثلاً من مدينة (شيكاغو) إلى ولاية (تينيسي) في الولايات المتحدة الامريكية قاطعة مسافة وقدرها: (710.2 كيلومتر).
الطيران وتقنيات الصيد:
الصقر الشاهين مشهور بسرعته الهائلة، خاصةً أثناء عمليات الصيد، حيث يمكن أن تصل سرعته عند الانقضاض على فريسته إلى أكثر من 320 كم/ساعة (200 ميل/ساعة)، مما يجعله أسرع الحيوانات على كوكب الأرض فهذه السرعة تتيح له ضرب فرائسه بقوة هائلة. أما أثناء الطيران العادي فإن سرعته تكون أقل، حيث تتراوح بين 40 و55 كم/ساعة.
سلوك الطيران وفترات الراحة:
لا يبقى الصقر الشاهين في الهواء بشكل مُستمر أثناء الهجرة فعادةً ما يطير خلال النهار ويرتاح ليلًا لكن أثناء رحلات الهجرة، فإنه يجمع بين تقنية التحليق والانزلاق وذلك من خلال استخدام الجناحين مما يساعده على توفير طاقته خلال الرحلات الطويلة و قد يتوقف أيضًا أثناء النهار للصيد أو للراحة على مواقع مناسبة له.
حدة البصر والتعرف على التضاريس:
يمتلك الصقر الشاهين رؤية حادة للغاية، تُقدر بأنها أفضل بعدة مرات من رؤية الإنسان. تُمكّنه هذه الرؤية من رؤية الفريسة من مسافات كبيرة أثناء الطيران. كما أن عيونه مصممة لرصد الحركة والتركيز على الفريسة أثناء الانقضاض بسرعات عالية. ومع ذلك، لا توجد أدلة واضحة تشير إلى أن الصقر الشاهين يمكنه التمييز بين أنواع مختلفة من التضاريس أو تقييم صلاحية مصادر المياه للشرب أثناء الطيران مع أن بعضها لوحظ انه يُتقن هذا التمييز فتُحرك سلوكيات الشاهين للصيد والهجوم بشكل رئيسي تعتمد على توافر الفرائس ومواقع التعشيش المناسبة.
رحلة لا تُصدق لِهجرَة أنثى صَقر الشاهين!
(انظر لـ اللوحة المُرفقة مع المقال)
وفقًا لتقارير مُختلفة من المتحف الفنلندي للتاريخ الطبيعي وجامعة هلسنكي، تم تعقب أنثى صقر الشاهين والتي أطلق عليها اسم “ساشا” من خلال استخدام جهاز تتبع الموقع عبر الاقمار الصناعية مُثبت على ظهرها منذ لحظة اقلاعها من موقع تعشيشها في جنوب إفريقيا متوجهة إلى فنلندا في رحلة هجرتها السنوية حيث قطعت انثى الشاهين (ساشا) مسافة وقدرها 9000 كيلومتر تقريباً (5600 ميل)، في مدة زمنية تتراوح ما بين شهر (أب – أغسطس) وشهر (تشرين الاول – أكتوبر) بعام 2022.
نلاحظ في اللوحة المُرفقة مع المقال بعنوان: (صَقر الشاهين أسرع الحيوانات على كوكب الارض) خريطة تبين مسار انثى الشاهين (ساشا) من بداية رحلتها من (جنوب افريقيا) وحتى وصولها الى مكان هجرتها الى (فنلندا) والمُثير للدهشة انها لم تأخذ مسار تحليق مُباشر من جنوب افريقيا وحتى وصولها لفنلندا بل اتبعت طريق يؤمن لها بشكل دائم طوال رحلتها الماء والغذاء.
فعند وصولها الى جنوب السودان لم تستمر بالتحليق بخط مستقيم بل انحرفت باتجاه اليمين وسلكت مسار على طول خط الساحل الغربي للبحر الاحمر لأنها تعرف مُسبقاً ان عبور الصحراء من شمال السودان وحتى الشواطئ الجنوبية للبحر الابيض المتوسط لن تجد فيها ماء أو غذاء فيما لو توقفت للاستراحة وهذا سيهدد استمرار رحلة هجرتها.
كما نلاحظ عند وصولها الى السواحل الجنوبية للبحر الابيض المتوسط في شمال شرق مصر لم تكمل تحليقها بمسار مباشر لتقطع البحر الابيض المتوسط بل انحرفت باتجاه اليمين لتسلك مسار موازي لشواطئ شرق البحر الابيض المتوسط عابرة من فوق سواحل فلسطين ولبنان وسوريا مرورا بتركيا لأنها تعرف ان المياه العذبة والغذاء ليسا متوفرين لها.
وعند وصولها للشواطئ الجنوبية للبحر الاسود لم تتابع مسارها لتقطع البحر الاسود بل انحرفت باتجاه الغرب مُتجهة الى اسطنبول وايضا لنفس السبب وهو معرفتها انها لن تجد ماء عذب ولا غذاء لها.
وبعد وصولها الى اجواء اسطنبول عادت لتعديل مسارها باتجاه الشمال بوجهة مستقيمة تقريباً قاطعة اجواء شرق القارة الاوروبية حتى (فنلندا).
هذه الرحلة لأنثى الشاهين (ساشا) هي مثال أكثر من رائع ومُلهم لعجائب هِجرَة الطيور وأهمية جُهود الحِفاظ على البيئة لِحماية هذه المَخلوقات الرائعة وموائلها.
الخاتمة:
يجمع الصقر الشاهين بين السرعة والتحمل والتكيف، مما يجعله أحد أكثر أنواع الطيور تميزًا. قدرته على القيام برحلات هجرة طويلة، كما في حالة “ساشا”، تعكس مرونته ومهاراته في التنقل. وعلى الرغم من رؤيته الحادة التي تُمكنه من الصيد، فإن تفاعله مع البيئة يعتمد بشكل أساسي على توافر الفريسة وملاءمة الموائل بدلاً من تقييم التضاريس بشكل دقيق.
2 – النورس القطبي: أعجوبة الطيور المُهاجرَة
يُعتبر طائر النورس القطبي (Arctic Tern) من أكثر الطيور المُهاجرة إبهارًا في العالم، حيث يقطع أطول رحلة هجرة بين جميع الحيوانات المعروفة كما ويثير هذا الطائر إعجاب الباحثين وعشاق الطبيعة بسبب رحلاته الطويلة ومَهاراته المذهلة في الطيران.
الخصائص الفيزيائية
• الوزن: يتراوح وزن طائر النورس القطبي بين 86 إلى 127 جرامًا.
• الحجم: يبلغ طوله حوالي 28 إلى 39 سم، في حين يتراوح طول جناحيه بين 75 إلى 85 سم.
• المظهر: يتميز الطائر بجسم نحيف وأجنحة طويلة مُدببة وذيلٌ مشقوق. له غطاء أسود على الرأس، ومنقار وأرجل حمراء، وريش أبيض مع درجات رمادية.
المَوطن والأصل
المَوطن الأصلي لطائر النورس القطبي هو المناطق القطبية وشبه القطبية في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا حيث تتواجد هذه الطيور في فصل الصيف للتكاثر في مناطق التندرا الساحلية والسواحل الصخرية التي توفر لها الغذاء ومواقع التعشيش.
رحلة الهجرة
يقطع طائر النورس القطبي رحلة سنوية ذهابًا وإيابًا تصل إلى حوالي 90,000 كيلومتر (55,923 ميل)، مما يجعله صاحب أطول رحلة هجرة لأي كائن حي.
• مسار الهجرة: يهاجر طائر النورس القطبي عبر المُحيطات والقارات، ويتبع السواحل والمياه المفتوحة ويتوقف أحيانًا للاستراحة والتغذية على الأسماك والقشريات الصغيرة.
• الدول التي يزورها: يمر هذا الطائر بالعديد من الدول، مثل كندا، غرينلاند، آيسلندا، الولايات المتحدة، البرازيل، جنوب أفريقيا، وأستراليا وبعضها أحيانا يَمُر فوق سواحل القارة القطبية الجنوبية.
السرعة ومدة الطيران
• السرعة: يطير طائر النورس القطبي بسرعة تتراوح بين 35 إلى 50 كم/ساعة (22 إلى 31 ميل/ساعة) أثناء الهجرة، وقد تزيد سرعته في ظروف الرياح الملائمة.
• مدة الرحلة: تستغرق رحلة الهجرة عدة أسابيع إلى بضعة أشهر حسب الظروف الجوية واحتياجات هذا الطائر للطاقة.
• نمط الطيران: لا يطير بشكل مستمر، بل يتوقف أحيانًا للراحة على سطح الماء والتغذية قبل استئناف رحلته.
التكيف مع الرحلات الطويلة:
يتمتع طائر النورس القطبي بخصائص استثنائية تمكنه من التَحمُل خِلال رحلاته الطويلة:
1. هيكل الأجنحة الفعّال: تساعد الأجنحة الطويلة والضيقة هذا الطائر في تقليل استهلاك طاقته أثناء الطيران.
2. مَهارات المِلاحة: يعتمد هذا الطائر في تحليقه على بوصله ذاتية تتتبع خطوط الحقول المغناطيسية للأرض، إضافة الى اعتماده على المعالم والتضاريس الطبيعية للتنقل والطيران بدقة فائقة كما ويحفظ بذاكرته جميع المسارات والوجهات التي يهاجر اليها ولهذا فهو يجيد بحرفية بالغة الترحال والسفر لوجهات بعيدة جدا دون أن ينحرف أو يخطئ في مساراته.
3. النظام الغذائي: يتغذى على الأسماك والقشريات التي تمده بالطاقة اللازمة للطيران.
العمر والمسافة الإجمالية:
يعيش طائر النورس القطبي لمدة تصل إلى 30 عامًا، وخلال حياته يمكن أن يقطع أكثر من 2.4 مليون كيلومتر، وهو ما يعادل السفر إلى القمر والعودة أكثر من ثلاث مرات.
الخريطة المُرفقة مع المقال توضح رحلة هجرة طائر النورس القطبي كما تُظهر أماكن تكاثره في المناطق القطبية الشمالية ومسارات الهجرة الطويلة التي يسلكها عبر القارات والمُحيطات، وصولاً إلى القارة القطبية الجنوبية.
خاتمة:
ان ادمغة الطيور الصغيرة والقوية التي تجسد براعة وعبقرية الخالق في خلقه فهي تؤدي مهام تتطلب الطائرات الحديثة أنظمة مُعقدة للغاية لإنجازها فقدرة الطيور على التنقل والتكييف والسفر لمسافات طويلة بشكل مُستقل وذاتي تسلط الضوء على مدى تطور قدراتها العقلية والحسية منذ الأزل.
وفي حين لا تزال التكنولوجيا تعمل على قدم وساق حتى يومنا هذا على سد الفجوات المَعرفية في علوم شتى وتقيد عقول البشر فإن ادمغة الطيور ستظل شاهداً على مدى عجز الانسان مهما تطورت علومه وتقنياته على الاقتراب لا مُجاره تقنيات خلق الخالق العظيم.
واخيراً.. سبب كتابتي لهذا المقال:
علم الاحياء ليس من العلوم التي تخصصت بها في مسيرتي العلمية والمهنية لكن ومع ذلك بحثت فيه جيداً وقرات العديد من المراجع والمصادر العلمية لكي اصيغ هذا المقال على هذه الصورة وأجعله بمثابة رداً علمياً بحتاً على من لا يؤمنون بوجود الله سبحانه.
فبعد جدال طويل دار قبل أيام بيني وبين وبعض مِمَن يحملون مع الأسف الدرجات العلمية العالية في الجامعة التي احاضر فيها ممن ادعوا ان هذه التقنيات العالية جدا في الملاحة والطيران الموجودة في ادمغة هذه الطيور هي من صنع الطبيعة وجزء من بنيتها البيولوجية الطبيعية أو قد تكون نتيجة للتطور الجيني في بعض أنوعها مع مرور الزمن.
حسناً ومن أوجد هذه الطبيعة؟ وهل اوجدت الطبيعة نفسها بنفسها؟ هذا مُحال لأنه يتعارض مع مفاهيم وإدراك العقل السوي وقانون السببية كما ويناقض المنطق العلمي البسيط والذي يقول (لا شيء يُخلق من العدم) ولابد له من خالق … أما عن نظرية التطور الجيني (التي صَدعوا عقولنا بصحتها) فقد تم دحضها من قبل العديد من العلماء واللذين اثبتوا عدم صحتها.
(هذا خلق الله فأروني ماذا خلق اللذين من دونه) وبما ان رب العزة وهو الاعلم بخلقه كان قد أخبرنا مُسبقاً عن هذه الشريحة من البشر التي ترجع كل عملية الخلق والوجود على انه من فعل (الطبيعة) بقوله: ( وما اوتيتم من العلم الا قليلا ) – (وكان الانسان أكثر شيء جَدَلا).
ونمضي…..
بقلم: الكابتن البحري وربان أعالي بِحار
مصطفى كريدلي
أثينا في: 8 كانون الثاني 2025
ملاحظة: تم نشر هذا المقال واللوحات المرفقة به في الصحيفة الالكترونية السورية (الدنيا) وفي مجلة الجامعة العُليا لعلوم أعالي البحار وعلم الفلك اليونانية الاوربية (صوت الربابنة) بتصرف.
المصادر لمقارنة أدمغة الطيور بغرف قيادة الطائرات
1. Frontiers in Anatomy. “The Avian Brain and Its Functional Organization.” (frontiersin.org)
2. ScienceDirect. “Cognition in Birds: Insights into Neural Mechanisms.” (sciencedirect.com)
3. Audubon Society. “How Birds Navigate During Migration.” (audubon.org)
4. Encyclopedia Britannica. “Bird Intelligence and Navigation.” (britannica.com)
5. NASA. “How Aircraft Systems Work.” (nasa.gov)
6. FAA. “Aircraft Cockpit Basics.” (faa.gov)
7. Peregrine Fund. “Bird Vision and Cognition.” (peregrinefund.org)
8. All About Birds. “Avian Navigation Techniques.” (allaboutbirds.org)
9. Wiley Online Library. “Magnetoreception in Animals.” (onlinelibrary.wiley.com)
10. IATA. “Modern Aircraft Navigation Systems.” (iata.org)
المصادر الخاصة بالصقر الشاهين:
1. Birdfact. “Peregrine Falcon Migration: A Complete Guide.” (birdfact.com)
2. Animal Diversity Web. “Falco peregrinus (peregrine falcon).” (animaldiversity.org)
3. Hawk Mountain Sanctuary. “Peregrine Falcon.” (hawkmountain.org)
4. Audubon Field Guide. “Peregrine Falcon.” (audubon.org)
5. Birdsoftheworld.org. “Behavior – Peregrine Falcon – Falco peregrinus.” (birdsoftheworld.org)
6. Alberta Institute For Wildlife Conservation. “Peregrine Falcon Hunting Strategy.” (aiwc.ca)
7. UMass Amherst Libraries Falcon Curriculum. “Flight.” (openbooks.library.umass.edu)
8. 20/20 Magazine. “TO SEE WHAT THE FALCON SEES!” (2020mag.com)
9. The Peregrine Fund. “Peregrine Falcon.” (peregrinefund.org)
Wikipedia. “Peregrine falcon.” (en.wikipedia.org)
المصادر الخاصة بالنورس القطبي:
1. National Geographic: Arctic Tern
2. Cornell Lab of Ornithology: All About Birds – Arctic Tern
3. BirdLife International: Arctic Tern Factsheet
4. Smithsonian Magazine: Migration of Arctic Terns
5. BBC Earth: The Epic Journey of Arctic Terns
6. Audubon Society: Arctic Tern Migration
7. Nature Conservancy: Arctic Tern Migration Patterns
8. eBird: Arctic Tern Statistics
9. Live Science: Arctic Tern Migration Distance
Scientific American: The Secrets of Arctic Tern Migration