الأسمنت المنتج للطاقة: بين الحقيقة والمبالغة
الأسمنت المنتج للطاقة: بين الحقيقة والمبالغة

الأسمنت المنتج للطاقة: بين الحقيقة والمبالغة
خاص الدنيا
انتشر مؤخرأً على بعض منصات التواصل الاجتماعي خبرٌ مفاده أن باحثين تمكنوا من تطوير “أسمنت قادر على إنتاج الكهرباء بمعدلات تتفوق على الخلايا الشمسية”، وهو ما أثار ضجة واسعة، وادّعى البعض أنه قد يُنهي عصر الألواح الشمسية.
ما حقيقة هذا الابتكار؟
وهل يمكننا بالفعل التخلص من ألواح الطاقة الشمسية والاستعاضة عنها بأسمنت “كهربائي” في المستقبل القريب؟
دعونا نفصل الحقائق ونتفحصها علميأً.
فكرة الأسمنت المنتج للطاقة: هل هي جديدة حقأً؟
الحقيقة أن فكرة تطوير مواد بناء – مثل الأسمنت – لتكون قادرة على إنتاج أو تخزين الطاقة ليست جديدة بل هي مجال بحثي ناشئ ضمن علوم المواد ويهدف إلى إنشاء “مواد ذكية” يمكنها دمج الوظيفتين: البنية الهيكلية + إنتاج الطاقة.
أحد التطبيقات الرئيسية هو استخدام التأثير الحراري الكهربائي (Thermoelectric Effect) حيث تُحوَّل الفروق البسيطة في درجات الحرارة إلى طاقة كهربائية.
لكن لتحقيق ذلك يجب أن تتمتّع المادة بعدة خصائص مهمة:
معامل سيبيك (Seebeck Coefficient) مرتفع.
معامل الأداء الحراري الكهربائي (ZT) يكون مناسبأً لتحويل الطاقة بكفاءة.
ما مدى واقعية المعطيات التي تم تداولها؟
- حول معامل سيبيك:
زُعمت وسائل التواصل أن الأسمنت الجديد يمتلك معامل سيبيك بلغ –40.5 ملي فولت/كلفن.
لكن هذا الرقم حتى في أفضل المواد الحرارية الكهربائية الموجودة اليوم غير واقعي ولا مسبوق، غالباً هناك خطأ في وحدة القياس كأن يكون المقصود –40.5 مايكرو فولت/كلفن ، وهو رقم أكثر منطقية.
- حول معامل ZT:
وفقأً لما تم تداوله، بلغ معامل ZT نحو 6.6×10⁻² (أي 0.066) ، وهذه القيمة منخفضة جدأً مقارنة بالمعايير العلمية، إذ تعتبر المواد ذات ZT أقل من 1 غير فعالة بشكل عام.
للإشارة، تستخدم بعض المواد المتقدمة ZT أعلى من 2 في التطبيقات الصناعية الحديثة.
مما يعني أنه لا يمكن اعتبار هذه المادة “متفوقة” أو “ثورية” من الناحية الكفاءة، كما يتم تصويرها.
هل يمكن للأسمنت أن يصبح “ذكيأً” فعلاً؟
نعم، فهناك تطورات فعلية في هذا المجال، مثل:
الهيدروجيل : تمت إضافته للأسمنت في بعض التجارب لتحسين خصائصه مثل الرطوبة الداخلية والنقل الأيوني.
الإلهام من الجذوع النباتية : استخدمت هياكل مسامية مستوحاة من الطبيعة لتسهيل حركة الشحنات داخل المادة.
لكن هذه التقنيات لا تزال في إطار البحث والتطوير، ولم تثبت أنها قابلة للتطبيق التجاري أو الصناعي الواسع حتى الآن.
هل الأسمنت الجديد يستطيع تخزين الطاقة أيضأً؟
الأسمنت العادي ليس بطبيعته موصلأً كهربائيأً ولا مخزنأً للطاقة.
ولكن هناك أبحاث لدمج مواد مثل الجرافين، الكربون النانوي، وأكسيد المنغنيز لمنحه خصائص تخزينية محدودة.
الأمر الهام أن وسائل التواصل أغفلت ذكر أي تفاصيل واضحة حول آلية التخزين أو نوعها (هل هو كهربائي أم كيميائي) وهذا ما يجعل هذا هذه النقطة غامضة وغير مؤكدة.
هل سنرى هذا النوع من الأسمنت في الطرق والمباني قريبأً؟
الحقيقة أن فكرة استخدام الأرضيات والجدران لتوليد الطاقة جذابة للغاية وهناك مشاريع بحثية حول مواد بناء ذكية مثل الزجاج الشمسي والأرضيات المتحركة لإنتاج الطاقة، لكن الربط الكامل بين إنتاج الكهرباء وتخزينها في مادة واحدة مثل الأسمنت بتكلفة مناسبة و دون انخفاض في الأداء لا زال في إطار الأبحاث المبدئية.
مما يعني أن الخبر عبارة عن مبالغات إعلامية تستند لحقيقة لازالت قيد التطوير إذ أن البحث العلمي في مجال تطوير أسمنت قادر على إنتاج الطاقة موجود فعلاً.
بالمجمل: قبل الانبهار بأي خبر “ثوري” خصوصأً في العلوم التطبيقية يجب العودة للمصادر الأكاديمية الأصلية ومراجعة البيانات بدقة وعدم التسرع في استخلاص نتائج دون أدلة قاطعة.