الاتفاق الصيني الأوروبي: انفراجة في العلاقات التجارية بعد سنوات من التوتر
الاتفاق الصيني الأوروبي: انفراجة في العلاقات التجارية بعد سنوات من التوتر

الاتفاق الصيني الأوروبي: انفراجة في العلاقات التجارية بعد سنوات من التوتر
حاص الدنيا
خلفية الصراع التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين
لم تكن العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين دائماً ملبدة بالغيوم لكنها شهدت تصاعداً في حدة الخلافات خلال السنوات الأخيرة خاصة في ظل ما اعتبره الطرف الأوروبي إغراقاً سوقياً غير عادل من قبل الشركات الصينية وذلك بدعم مباشر من الحكومة الصينية.
شملت هذه المنتجات أبرز القطاعات الاستراتيجية مثل:
- ألواح الطاقة الشمسية.
- بطاريات الليثيوم.
- السيارات الكهربائية.
- المنتجات الكيميائية والميكانيكية.
لم يتأخر رد الاتحاد الأوروبي ففرض رسوماً جمركيةً مرتفعةً على الواردات الصينية وهو ما قابلته بكين بإجراءات مماثلة مما أدى إلى حالة من الجمود أشبه بـ”حرب تجارية باردة” أثرت بشكل غير مباشر على المستهلكين والمنتجين في كلا الجانبين.
يبدو أن الأوربيين حسموا أمرهم واكتشفوا أخيراً بأن استمرار ثقتهم بأمريكا نوع من الانتحار، لذا اتجهوا للتقارب مع الصين حيث عقدوا اتفاقاً يقدم خطوات عملية نحو الانفراج لكلا الجانبين.
بنود الاتفاق الجديد:
الاتفاق الجديد، الذي تم التوصل إليه بعد جولات مكثفة من المفاوضات بدأت مع بداية العام الجاري، يتضمن عدة نقاط رئيسية:
1. إلغاء كامل للرسوم على بعض السلع الصناعية
شمل الاتفاق إعفاءً كاملاً من الرسوم الجمركية على مجموعة من المنتجات الصناعية خصوصاً تلك المرتبطة بالتحول الأخضر والتقنيات النظيفة، مثل:
- ألواح الطاقة الشمسية
- مكونات تخزين الطاقة
- أجزاء صناعية دقيقة تستخدم في الصناعات الدقيقة
هذا القرار يُعد تطوراً إيجابياً كبيراً خاصة أن هذه القطاعات كانت من أكثر المجالات توتراً بين الطرفين.
2. تخفيف تدريجي للرسوم على المنتجات الحساسة
أما فيما يتعلق بالسيارات والمنتجات الزراعية فقد تم الاتفاق على خفض تدريجي للرسوم الجمركية ضمن فترة انتقالية مدتها عامان.
وتهدف هذه الفترة إلى إعطاء الوقت الكافي للصناعات المحلية في كلا الجانبين للتكيف مع المتغيرات الجديدة دون أن تتعرض لضربة مفاجئة قد تهدد استقرارها.
3. تعزيز الشفافية والتزامات بيئية
من بين البنود المهمة أيضاً التزام الطرفين بتعزيز الشفافية في دعم الصناعات خصوصاً في مجال الطاقة النظيفة بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار المشترك في التقنيات الخضراء.
كما أعرب الجانبان عن تطلعهما لأن يكون هذا الاتفاق نموذجاً لشراكات مستدامة تخدم الأجندة المناخية العالمية.
آراء سياسية ومواقف متباينة
رغم الترحيب الرسمي من الطرفين إلا أن الاتفاق قوبل بردود فعل متباينة داخل البرلمان الأوروبي وبعض العواصم الأوروبية. ففي حين رأى البعض أنه خطوة ضرورية نحو إعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية، فقد أعرب آخرون عن قلقهم من أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إضعاف الصناعات الأوروبية أمام المنافسة الصينية الهائلة.
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، عبّر عن تفاؤله حيال الاتفاق مشيداً بدوره في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.
في المقابل حذر نواب أوروبيون من أن تكون هذه الخطوة مجرد “هدنة مؤقتة” لا تعالج جذور المشكلة المتعلقة بدعم الدولة الصينية لشركاتها.
التوقعات المستقبلية: هل هو بداية لتعاون أوسع؟
من المتوقع أن يتم بدء تنفيذ بعض بنود الاتفاق في الأسابيع القادمة بينما ستبدأ باقي البنود بالتطبيق التدريجي مع نهاية النصف الأول من عام 2025.
ويحتاج الاتفاق إلى موافقة برلمانية رسمية من كلتا الجهتين وهي خطوة تُتوقع أن تتم رغم بعض النقاشات السياسية.
ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه فرصة ذهبية لتحسين البيئة التجارية العالمية في وقت تشهد فيه الاقتصادات تباطؤاً نسبياً بسبب الأزمات الجيوسياسية المستمرة.
كما يفتح الباب أمام تعاون أوسع بين الصين وأوروبا في مجالات التحول الرقمي والطاقة النظيفة مما قد يصب في صالح الاقتصاد العالمي ككل.
الاتفاق الصيني الأوروبي حول إلغاء الرسوم الجمركية يُعد خطوة شجاعة نحو إصلاح العلاقات الاقتصادية بين طرفين لهما وزن كبير في الاقتصاد العالمي.
إنها ليست نهاية الطريق بل بداية مرحلة جديدة من الحوار والتعاون القائم على المصالح المشتركة.
ومع ذلك، فإن النجاح الحقيقي لهذا الاتفاق لن يُقاس بإلغاء بعض الرسوم فقط، بل بقدرته على تحقيق توازن عادل بين المنافسة والحماية، وبين الانفتاح والحفاظ على السيادة الصناعية.
مواضيع ذات صلة:
دونالد ترامب: رؤية مثيرة للجدل حول العالم كإقطاعية أمريكية
اتفّاق صينيّ أوروبيّ لرفع القيود على التبادل التجاري.. هل كانت سياسة ترامب السبب؟