الباطل يصلب عيسى الناصري
جعبتي فارغة من الكلام ، ولكنني أحتج على الأقاويل والإشاعات المُغرضة ، وأرجم بحصى الهجاء فلاسفة الشماتة وحملة السكانين لذبح المطر ، وأهجو الزمن الحاضر المشين المنقلب على تاريخ الشرف ، وأردد مع المتنبي لتذكير العميان :
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى / حتى يُراق على جوانبه الدم
وأطلب مع الاحتجاج الكثير من الملح لتضميد جرح التاريخ الحالي القبيح الجالس في دورة المياه مستمتعاً برائحة النتن .
ما أنا على ثقة تامة منه ، أن (عين التاريخ) لا تخطئ . وفي الصراع الأبدي بين الحق والباطل ، يكمن الزمن ويغفو قليلا ، لكنه دائما يصحو ليمجد خطوات “المسيح” على درب الجلجلة ، وأنه الباقي والمتعالي على مسامير الباطل الصدئة التي مزقت لحم كفّيه ، في يوم الجمعة السابق للسبت ولعيد الفصح ، وفي ذلك اليوم الجليل أشرقت المسيحية ، وانكشفت خسة ودناءة “يهوذا الأسخريوطي” ، ورأت (عين التاريخ) الخزي والغدر والحقد على وجوه رؤوس الكهنة .
ماذا تبقى في سجلات التاريخ لتلك الجمعة الحزينة :
انطوى ذكر بيلاطس البنطي وزوجته كلوديا بروكيولا ، وكذلك انطوى ذكر هيرودوس وبريتورس ولونجينوس ويائيرس ، وانمحى دور الكاهن قيافا والكاهن حنّان ، وأنشب النسيان بمدونات أخبار محاكمة عيسى الناصري ، وخفتت أصوات الغوغاء والعامة والمرتزقة يصيحون ويصرخون كي يسمع الحاكم النتن بيلاطس البنطي أعدموه .. أعدموه .
ولم يبق من ذلك المشهد التاريخي في عين الحقيقة والحق ، سوى لقطة دامية ومروعة : عيسى على الصليب ، وطعنة حربة لونجينوس العميقة في جنب الناصري ، وحزن امرأة اسمها مريم المجدلية وهي تضم جثمانه ، وانتحار يهوذا الإسخريوطي النتن في ذلك اليوم المظلم ، إذ وُجد معلقاً على شجرة خارج أسوارالقدس .
(عين التاريخ) لا يغمض لها جفن ، وبعد سنة أو مئة أو ألف ، سيظهر الحق ويزهق الباطل.
وستعلو ( أصوات الصمت) التي كتب عنها الراحل الفلسطيني محمد الأسعد: ” مؤسفٌ أن الإنسان ينضج ويتحوّل إلى ثمرةِ ريّانة ، ثم لا تكون صالحة إلا للسقوط في العتمة ” .
نزار العاني
دكتوراه بالتخليق الدوائي – بولي تينكيك فرنسا
كاتب وباحق في جريدة القبس-الكويت
عضو هيئة تدريسية بجامعة دمشق
سكرتير تحرير مجلة العلوم
سكرتير تحرير مجلة أوابك والتعاون العربي
رئيس قسم العلوم بمجلة الكويت
معاون مدير دار سعاد الصباح للنشر