البيئة الجاذبة لماذا ندفع أثمانًا لا علاقة لنا بها؟
البيئة الجاذبة لماذا ندفع أثمانًا لا علاقة لنا بها؟

البيئة الجاذبة لماذا ندفع أثمانًا لا علاقة لنا بها؟

بلال ابراهيم
كنت أسأل نفسي دومًا، لماذا نحن السوريين ندفع الأثمان الباهظة، رغم أننا لم نختر القرارات التي رسمت مصائرنا؟ لماذا نحمل أوجاعًا لم نصنعها، ونُحاسب على أخطاء لم نرتكبها؟
كنت أُحدث أصدقائي، وأقول لهم: تخيلوا أن لدينا ثلاثة توائم…
نفس الدم، نفس الذكاء، نفس التعليم، نفس الإمكانيات…
الأول تربى في سوريا، والثاني في الأردن، والثالث في لبنان أو تركيا…
أعطيناهم أفضل تعليم، وفرصًا متكافئة للانطلاق…
ثم تركناهم ينطلقون في حياتهم…
بعد عشر سنوات، التقينا بهم…
فماذا وجدنا؟
الابن الذي بقي في سوريا، خسر ماله، وضاع علمه، وتبدد حلمه… صار يفكر بالهجرة، يبحث عن ملاذ لعائلته ومستقبله، كأنه يفر من قدر لا مفر منه…
أما الأخوان اللذان شقا طريقهما في لبنان أو تركيا أو الأردن، فقد كبرا، نضجا، بنيا أنفسهما، تجاوزا التحديات، وتفوقا… أسسا شركات، حققا نجاحات، صار لهما اسم ومكانة في السوق…
بل وأكثر من ذلك… هناك أمثلة كثيرة من السوريين الذين خرجوا إلى بلدان مثل لبنان، تركيا، مصر، وغيرها، وانطلقوا في أسواقها، فبنوا مصانع، وفتحوا شركات، ونجحوا في قطاعات مختلفة مثل النسيج والأغذية والخدمات، وتفوقوا أحيانًا على أبناء البلد نفسه…
لأن العقل السوري لا ينقصه الذكاء، ولا الاجتهاد…
بل تنقصه البيئة التي تحتضنه وتحترمه.
فالبيئة في سوريا، كما عرفناها، كانت بيئة خانقة، منفرة، لا تشجع على العمل، ولا تحتضن الطموح…
بيئة يغيب فيها الأمن، والاستقرار، وسيادة القانون، والمواطنة المتساوية…
بيئة تحتاج فيها لأن تضاعف جهدك عشرات المرات فقط لتبقى، وليس لتتقدم.
لكننا اليوم، مع الأمل الجديد الذي يلوح في الأفق…
مع الأخبار الأخيرة، لقاء السيد الرئيس برجل الأعمال أيمن الأصغري، وما تسرب عنه من أجواء مشجعة، ومع توقيع اتفاقيات الطاقة، وعودة الحاضنة العربية إلى المشهد…
يبدأ فينا شيء من الأمل بالعودة… بالرجاء… بأن تتغير هذه البيئة.
الأمل بأن تتحول سوريا إلى بيئة جاذبة، لا طاردة…
بيئة يعيش فيها السوري بكرامة، في ظل الأمن، والاستقرار، والعدالة، والمواطنة المتساوية…
بيئة تجعل من العقل السوري قوة اقتصادية، لا مشروعًا للهجرة…
بيئة تشجع أبناءها على البقاء، والعمل، والبناء…
لأن العقل السوري يحمل جينات النقاء، والذكاء، والإبداع…
لكن العقل وحده لا يكفي… فهو بحاجة إلى بيئة تحترمه، إلى وطن يحتضنه…
يا أبناء سوريا في المنافي… عودوا، فالوطن بحاجة إليكم أكثر من أي وقت مضى…
ويا من بيدكم القرار… هذه فرصة، فلا تضيعوها كما ضُيعت فرص كثيرة من قبل…
أعيدوا الثقة إلى الناس… أعيدوا الأمل إلى البيوت… أعيدوا الأمان إلى الشوارع…
واجعلوا من سوريا وطنًا يحتضن الجميع، لا يطرد أحدًا….