سورية والعالم

التصحير

التصحير

التصحير

د ناديا خوست
د ناديا خوست

قرأت أمس خبراً عن موت الدكتور عبد الرؤوف الكسم، ولا أدري لماذا تذكرت أمينة المفتي الأردنية التي تزوجت الطيار الإسرائيلي بيراد في كنيس في النمسا، وتجسست على الفلسطينيين في لبنان. ألأن مخطط ايكوشار الذي استقدمه الكسم سنة 1968 يلغي دمشق الحية ويضع مكانها أخرى، فكأنه أتى ليسقط العاصمة التي لم تسقط في حرب حزيران؟
تصدّر المخطط قاعة الاجتماعات في محافظة دمشق بالنسخة الفرنسية. ورأيت عليه “المدينة الوزارية”، والسفارات، مكان بساتين كفر سوسة. طلبت من اللجنة الثقافية في مجلس محافظة دمشق أن نزور تلك البساتين لنبيّن باللمس أنها منطقة حية ذات أشجار وخضار ومياه لا يجوز البناء فيها، فزرناها مع نائب المحافظ السيد منذر كركوتلي. وأمامها كنا كمن يقول مشيراً بيده: هذه بساتين!
بعد أيام نصب جدار باسم الإسكان العسكري حجب تلك البساتين عن الطريق، كأنه يهدد من يدافع عنها. وكان المخطط قد سخّر محافظة دمشق في تنفيذه. وعبّر عن ذلك المهندس خلدون الصوفي العامل فيها فقال: مخطط ايكوشار مقدس كالقرآن. وفي السياق كانت كلية العمارة، باستثناء الدكتور نزار الفرار الذي وضّح لطلابه في الكلية خطر المخطط.
بقضم البساتين فقدت دمشق غطاءها الأخضر، برودة أمسيات الصيف، ومطر أواخر أيلول، وحلاوة مطر نيسان، وأمطار الشتاء. وأكل الصيف الفصول فاشتهينا الغيوم والمطر. وتبددت أيضاً الأخلاق التي تتذوق الظلال، وتحترم السواقي، وتحتفي بمواسم الفول والمشمش والجوز.
منذ أيام، خطر لابنتي أن تهبني نزهة في المساء، فسرنا إلى كفر سوسة! مشينا في شارع تُرى منه المدينة الوزارية، ورأينا في أفقها أبراجاً قبيحة. بدت عندئذ المساحات الشاسعة التي صحّرها المخطط، وكانت بساتين يانعة تحمل للمدينة الفواكه والخضار ونقاء الهواء والرطوبة، وتحرسها من موجات الحر والبرد. فبدا واضحاً أن مخطط ايكوشار الذي استقدمه الدكتور عبد الرؤوف الكسم قد قتل حراس المدينة وحماتها! وكان قد قتل قبل ذلك بساتين غرب المالكي. وباسم تنظيم حديقة تشرين، قصت أشجار البساتين التي استملكت، وفقدت المدينة جمال طريق الربوة الذي كانت تنفر عليه أشجار الجوز فيجمع المار ثمارها. ورأينا في حياتنا نفسها كيف قتلت محافظة دمشق كل ما لمسته من الشجر.
لا ينفصل أبداً حب الوطن عن حماية أشجاره وغاباته ومياهه! لا ينفصل عن الرضا الذي يرسخ التعلق بالمدن والرضاعة من هويتها! لذلك تصحح البلديات أخطاءها فنرى استعادة الضفاف الخضراء على شواطئ الأنهار، بدلاً من الطرقات التي تطاولت عليها. وتوسيع المساحات للمشاة، بدلاً من السيارات. واستحداث الحدائق بين البيوت السكنية. وحشد الأشجار على الأرصفة.
نتساءل: هل تنفصل السياسة عن حراسة البيئة الوطنية؟ وهل سنغير النهج فنصبح في سياق من يمد المساحات الخضراء، وينصرف إلى مشاريع الإنتاج الزراعي والصناعي، أم نستمر في مشروع المطاعم والفنادق؟

زر الذهاب إلى الأعلى