الحقيقة .. هذا الحلم
هذا الحلم الرائع هذه الاسطورة الخيالية والتي بارزت عقول البشر منذ قديم الزمان.. هذه الاحجية التي احتارت فيها عقول الحكماء وعجز عن فك أسرارها وطلاسمها حتى أعظم المفكرين.. هذه الحورية التي طاردها تفكير الانسان على مدى العصور لحد الهوس والجنون…ولازال البحث جاريا عنها حتى الآن ….
فمن تكون هذه الحقيقة؟!!!
إن الحقيقة في حقيقتها هي حدث افتراضي اذ اننا من الممكن ان نرى جميعا هذا الحدث ولكن من زوايا نظر مختلفة ونكون جميعا على حق ورغم هذا نختلف فيما بيننا عما هي حقيقة تلك الحقيقة فعلى سبيل المثال:
لو اوقفنا مجموعة من الشبان أمام قمة جبل ولكن على مسافات متباعدة فيما بينهم وطلبنا من كل واحد من هؤلاء الشبان أن يقول لنا حقيقة ما يراه فان كل واحد منهم سيرى القمة بمنظر مٌختلف عن الاخر ومُختلف عن باقي الآخرين ايضا فأحدهم سيرى القمة مكسوة بالثلج بينما الاخر سيراها مليئة بالصخور و وعرة والثالث سيراها مكسوة بالأشجار.
فعليا كل تلك الشهادات لذلك الفريق الذي يراقب كل فردٍ منهم من موقعه قمة الجبل هي حقائق لكنها حقائق صغيره ومنقوصة ولكنها تصنع في مجموعها حقيقة الحقيقية لقمة ذلك الجبل.
مثالا أخر : لِنفترض اننا مُتواجدون في صالة كبيره لعرض الازياء وهناك مَنصة في المُنتصف و قد نصبت فوقها ومن كل الاتجاهات أضواء مُتعددة الألوان وتم تسليطها على تلك المَنصة وفجاءة تدخل فتاة ترتدي ثوبا من الساتان اللامع لتعرضه على الجمهور الذي يجلس حول تلك المنصة عندها كل واحد من الجالسين حول مَنصة العرض سيرى لون الثوب الذي ترتديه عارضة الازياء مُختلف عن من يجلس في الجهة المُقابلة او في اول المنصة فاحدهم سيرى لون الثوب اخضر وذلك لان الضوء المثبت فوقها لونه اخضر والثاني سيراه احمر و طبعا لنفس السبب و الثالث ازرق و الرابع برتقالي و هكذا.
إذا نحن امام حقيقة افتراضيه غير حقيقية في اجزائها ولكن عند اجتماع عدة حقائق افتراضيه مع بعضها البعض فإنها تشكل بمجموعها مدخلا لملامسة الحقيقة الموضوعية (الحقيقية) ودائما ضمن نطاق الاستطاعة والممكن.
(الحقيقة في أغلب الأحيان تكون في ذلك المكان الذي نُهمله عادة ولا نبحث بداخله)
الحقيقة موجودة داخل عقولنا فهي تكمن في مجموع العناصر المكونة للأمور لا في تجزئتها
لو استطعنا استيعاب الكون بمجموعه الكلي ولو استطعنا ان نعرف ماهية تلك القوانين التي تتحكم بالكون وطرق عملها فمن المرجح اننا كنا سنعثر على حقيقة أكثر عمومية وشمولية لأنه من المفترض وبعيدا عن حقيقة كوننا من المُرجح أن تكون هناك حقائق أخرى لأكوان أخرى مُجاورة لنا وعندها سيتوجب علينا أن نعود لِجمع كل تلك الحقائق في حقيقة كوننا كي نحصل على حقيقة جديده أكثر حقيقة وواقعية.
وهكذا فأننا نرى الحقيقة ونفهمها على شكل اشبه ما يكون بالـ (فراكتال – Fractal) او بمعنى اخر الحلقات المغلقة والمتداخلة فيما بينها حيث كل حلقة تحتوي بداخلها على حلقة اخرى أصغر منها وهكذا فان من حقائق صغيره كثيرة والتي كلما قمنا بجمعها نستطيع أن نرى الحقيقة بهيئة أكثر شمولية وعمومية لكن أبدا لن نرى حقيقة الحقيقة والحقيقة النهائية أو الكاملة.
ان أردنا ان نقول بان المنطق البشري (الانساني) من الممكن ان يلامس الحقيقة المطلقة – فان ذلك اشبه ما يكون باننا نؤمن بوجود منطق مطلق!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
هل اثبت الانسان على مدى العصور بانه وصل او امتلك بيوم ما المنطق المطلق؟! ومتى كان ذلك؟ أهو بذاك العنف والهمجية التي يواجه بها كل منا الآخر فقط لتهيمن (اناه) على الاخر او الآخرين؟ أم هو باصطدام الشعوب فيما بينها مُدمرة نفسها بنفسها؟ أم عندما أخذ الانسان بتدمير البيئة الأرضية من اجل مُتعته ومصالحة ورفاهيته؟ وبأي منطق بشري نَدَعي بأننا سنجد المنطق المُطلق؟
ان المنطق المُطلق هو حديث أكبر من قدرة استيعاب عقول البشر ذلك لأن المنطق المُطلق يعني الحقيقة المُطلقة يعني الحُب المُطلق يعني العدالة المُطلقة فهل يوجد في عالمنا اليوم أية دلائل أو مؤشرات على وجود الحُب المُطلق والعدالة المُطلقة؟
المنطق.. الحب … العدالة … عناصر مترافقة فيما بينها ومتزامنة اذ لا يمكن نمو أحد هذه العناصر ولا ظهورها بدون او بعيدا عن العنصرين الآخرين ولهذا فنحن لا نجد المنطق المُطلق لطالما لأننا لا نستطيع الاقتراب أو الوصول الى المَحبة المُطلقة وضعف قدرتنا في الوصول الى المَحبة المُطلقة يظهر عجزنا عن بلوغ العدالة المُطلقة ولهذا ستبقى الحقيقة المُطلقة بعيدة عنا جدا جدا جدا.
في كل حقبة تاريخية من الزمن وفي كل المجتمعات التي ازدهرت على سطح الأرض وفي كل مدينة لمعت بحضارتها ومَدنيتها على مدى التاريخ … جميعها كانت تؤمن بأن كل شي حقيقيوهو في الواقع كل شيء يؤمن به ويصدقه الانسان العادي.
ففي حقبة زمنية ماضية من التاريخ كان الانسان يؤمن بأن الكرة الأرضية هي في الحقيقة عبارة عن سطح أفقي وهذا الاعتقاد كان يستند في جذوره الى منطق يقول:
بأنه لو كانت الأرض كروية فإن من كان سيتواجد في قسمها السُفلي كان سيسقط من عليها الى الفضاء.
ووفق منطق بشري أخر وعلمي أيضا بل وبمنطق عموم البشر فان الانسان القديم كان يقول بأن لا شيء يمكنه أن يطير في السماء ان كان أثقل من الهواء لكن وبرغم هذا فان الطيور كانت تطير في السماء على الرغم من انها أثقل من الهواء.
وهكذا فإننا نرى بأن لكل حقبة من الزمن اصطلاح ومعنى مُتغير للحقيقة حيث يتغير معه المعنى الجوهري للحقيقة سواء كانت تلك الحقيقة علميه او منطق علمي.
المنطق العلمي القديم في بداياته كان يقول لنا بأن كل ما نستطيع أن ندركه بشكل مباشر ومن خلال حواسنا الخمسة هو في الواقع حقيقي ولكن الانسان استطاع ان يدرك لاحقا ومن خلال التجربة والفعل بأن هناك وقائع كثيرة والتي (من جهة) تحصل و تتم و تكتمل (ومن جهة اخرى) نحن كبشر لا نملك القدرة على ادراكها من خلال حواسنا وهذا ما دفع المنطق العلمي الى تغيير منطقة وأن يقول:
بأن كل ماهو حقيقي وواقعي ليس فقط كل ما نستطيع ادراكه بحواسنا المباشرة بل ومن خلال طرق ثانوية استنتاجيه.
ومثال على هذا هو: لو انني قمت بصفع أحدهم على وجهه فان اثار كفي ستبدو على خده ولو خرج الى الشارع وراه الناس (الذين في الواقع لم يروني وأنا أصفعه) ولكنهم رأوا أثار كفي على وجهه فانهم سيعرفون بأن هناك من قام بصفعه بمعنى أخر فان حقيقة الصَفع لم يتم ادراكها بشكل مباشر من أحد ولكن تم ادراكها بشكل غير مباشر وذلك من خلال الآثار الظاهرة على وجه ذلك الرجل.
إذاً ووفق ما سبق فمن الممكن أن نقبل بأن هناك وقائع وأحداث كثيره علمية ومنطقي هوحقيقية لطالما أن هناك تأكيد أو ما يشير الى حدوثها ولو بشكل غير مباشر.
بيد أن الانسان وفي مسيرة تطوره أدرك لاحقا بأن حتى هذه الطريقة لم تكن كافية له لمعرفة الحقائق وذلك لأنه لاحظ بان هناك وقائع واحداث لكي يدركها كل واحد منا فانه كان من المفروض أن يتخلل تلك الوقائع مُسبقا أحداث كثيره مع افتراض حدوث سلسلة من الوقائع كي نصل للنتيجة النهائية.
وهنا يبرز قانون السببية حيث كل سبب مُحدد له نتيجة مُحددة (وهذا ما كان يقوله العلم بيوم ما) لكن هذه المقولة انقلبت لاحقا راسا على عقب من قبل منطق علمي جديد وهو أننا بُتنا نعرف اليوم بانه إذا حصل أي شيء (اختلال– اختلاف –تغيير) في قوانين الطبيعة فان السبب لن يكون واضحا لنا بشكل مُباشر اذ انه من الممكن أن يكون هناك عدة أسباب أدت في نتيجتها لما حصل لا سببا واحدا ومُحددا لكن وبنفس الوقت ومن سببٍ واحد ومُحدد يمكننا أن نرى نتائج كثيرة.
إذا… فان المنطق والحقيقة والمعرفة العلمية هي عمليا قبول فلسفي لبعض الطُرق التي تتم بحدوثها والتي بنفس الوقت لا يمكن بَرهنتها فيما لو كانت صحيحة أم لا ولكن يتقبلها عقلنا على انها صحيحة.
إن العلم ولنأخذ منه هنا ذلك الذي يُدعى (بالعلوم الايجابية) والتي ليست من الأشياء الحقيقية بمعنى أن المنطق القديم هو من أوجدها فمثلا: نعتبر علم الفيزياء بأنه يهتم بأشياء قد تم البرهان عليها بشكل كامل ومعروف والتي من الممكن التعبير عنها بأسلوب وطُرق علمية لا فلسفية أو دينية.
ولهذا السبب نؤمن بأن (العلوم الايجابية) هي من الاشياء الواقعية الملموسة – بيد أن هذا خطأ!!! لأن العلوم الايجابية ترتكز على مفاهيم فلسفية وليست على مفاهيم واقعية ملموسة – فلو أردنا مثلا تعريف (المادة) فماهي؟؟!
هذا الاصطلاح (المادة) والذي يرتكز عليه اليوم كل العلم الكلاسيكي – هل من أحد له القدرة على أن يعطي تعريفا واقعيا وملموسا وعلميا له؟! او أي اسم علمي لما تعنيه كلمة (مادة)؟! فحتى يومنا هذا لم يستطع أحد أن يعطي هذا التعريف لما هو (مادة) ولهذا لازالت (المادة) هي مفهوم فلسفي.
كما هو أيضاً (الزمن) فهو مفهوم فلسفي وكذلك (البعد والمكان) وبالنتيجة فان المِحوَر الاساسي لبناء علم الفيزياء يرتكز على مفاهيم فلسفية بحتة ولو عكسنا هذه المفاهيم الفلسفية فإننا سندرك بأن الهيكل الاساسي للتفكير الفيزيائي سوف ينعكس هو الآخر.
بيد أن القوانين الفيزيائية التي تمت صياغتها و وضعها لن تتغير ولكنها ستتغير بمفاهيمها ومعانيها فالمعادلات والعلاقات الفيزيائية ستبقى كما هي ولكن ما سيتغير جذريا هو كل ما ستعنيه وتشير اليه تلك المعادلات لأنها ستأخذ ابعادا أخرى.
وهنا يبرز سؤال يطرح نفسه – تُرى هل هذا التحول بأفكارنا الفلسفية سوف يؤثر على المفاهيم الأساسية مثل (المادة والمادة النوعية والزمن) في اعادة صياغة وتعديل مفاهيم اجتماعية او أنظمة سياسية؟ الجواب طبعا هو (نعم).
ان المفهوم الذي نطلق عليه اسم (مادة) والمفهوم الكلاسيكي (للمادة) والذي يقول بأن كل ما تحس به وتشعر بوجوده حواسنا هو (مادة) حيث على هذا المفهوم قامت وارتكزت عدة نظريات اجتماعية عشناها في القرن الماضي حيث رأينا كيف أن أنظمة اجتماعية كاملة استندت في قيامها على مفهوم (المادة) كما كانت تؤمن بها تلك الأنظمة أنذاك سواء في القرن الثامن عشر او التاسع عشر فان تلك الانظمة الاجتماعية الفلسفية إذا لم تقم بتغير جذري لمضمونها فيما يتعلق بالمفهوم الجوهري لمعنى (المادة) فإنها ستؤول الى زوال.
ان العلم الحديث اليوم أثبت و بالتجربة بأن هناك عوالم اخرى موجوده وهي خارج قدرات ادراك الحمض النووي البشري (دي ان اي –D.N.A ) او الحواس الانسانية وهذا ما يعني بأن مفاهيمنا اليوم ليست كتلك التي سادت بحقبة القرن الثامن عشر والتاسع عشر – لذا لم يعد بوسعنا و بتلك البساطة أن نقول بأن كل ما نلمسه أو نمسك به أو تشعر به حواسنا كبشر فقط هو حقيقي وموجود وواقعي.
ان (المادة) و (الطاقة) هما اصطلاحين يُعبران عن تقوس المكان – بمعنى أن كل شيء في الكون هو مكان – فان تقوس ذلك المكان الى أبعد من حدود معينه فإننا ندرك ذلك المكان اما (كماده) او (طاقة).
ان النظرية النسبية تعلمنا بأن الشيء الوحيد الواقعي في الكون هي ما يدعى (بمتوالية الزمن المستمر) او (بالزمكان كما يعرف بالعربية) وسأطلق عليه انا (مكان الزمن المستمر – space-time continuum) ومكان الزمن المستمر هذا له بعض الصفات والقدرات واحداها هي الآتي:
– اذا حاولنا بطريقة ما – او من خلال احساس كاذب بأننا نقسم (مكان الزمن المستمر او المتتالي) الى قطع – عندها هذه القطع التي ستنتج عن ذلك التقسيم ستكون شيئا مختلفا كليا عن ما يُسمى ب:(مكان الزمن المستمر) و بالنتيجة– فهو اذا شيء لا يقبل التجزيء او التقسيم او التقطيع.
– وبما أن (مكان الزمن المستمر) هذا لا يقبل التقسيم او التقطيع فان هذا يعني اننا لا نستطيع ونحن بداخله تحديد (المكانوالزمان) اي بمعنى أخر لا نستطيع كسره ولو كان باستطاعتنا أن نكسر أو تقسم (مكان الزمن المستمر) الى مكان وزمان منفصلين ونضع كل واحد منهما على حِدا عندها لم يكن ليكون هناك أي علاقة ما بين المكان والزمان وخصائص (مكان الزمن المستمر).
و لهذا السبب بالتحديد فإننا لا نستطيع ان نحدد نقاط لاي مكان او زمان بداخل (مكان الزمن المستمر) لأننا لو قمنا بتحديد (أي نقطة لاي مكان) فان ذلك سيكون بمثابة تقسيم (مكان الزمن المستمر) حيث سيكون لدينا تلك النقطة التي قمنا بتحديدها وما تبقى من (مكان الزمن المستمر) ولكن اذا لم يكن لدينا اي نقاط مُحدده للمكان والزمن داخل ( مكان الزمن المستمر ) فإننا عندها لن نستطيع تحديد مقاطع او نقاط معينة للمكان والزمن داخل (مكان الزمن المستمر).
وبالنتيجة لما سبق فإننا بهذا لن نستطيع ان نمارس العلم او حتى أن نوجده – لأن العلم كما نعرفه نحن بطرقه وأساليبه يقوم على الحساب والقياسات من خلال استخدامه لضوابط زمنية ووحدات قياس الضوابط الزمنية تقيس مقاطع زمنيه بينما وحدات القياس تقيس مقاطع للمكان ولو تواجدنا داخل (مكان الزمن المستمر) حيث ليست لدينا القدرة على قياس مقاطع للمكان ولا للزمان للأسباب التي ذكرت انفا وبالتالي لن نستطيع أن نستعمل أجهزتنا المعروفة وهذا وفق رأي العلم الحديث أنه لن نستطيع من أن نمارس او نوجد علم.
– هذا الامر بحد ذاته يقودنا الى استنتاج يقول: عندما نتحدث من خلال العلم الحديث عن المكان والزمن بشكل منفصل فان ذلك يعني باننا لا نتحدث عن الكون الحقيقي او الواقعي – بل نتحدث عن شيء أخر والذي في حقيقة الامر لا علاقة له بالكون الحقيقي – والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو ذلك الشيء الاخر الذي ذكرناه انفا؟
هذا الشيء الآخر عبر لنا عنه العالم (مينكوفسكي) و الذي قام بتفكير بسيط اذ قال: (اذا كنت لا املك الاستطاعة لدراسة اي شيء داخل الكون ولكن لدي القدرة على دراسة الاحداث الدائرة داخل ذلك الكون من خلال انعكاسات أضوائه فوق سطح ثلاثي الابعاد أشبه ما يكون بالمرأة وحين نقوم برسم هذه الأحداث فوق تلك المرأة السحرية فان كل ما نقوم بقياسه و حسابة من حولنا لن تكون قياسات وحسابات داخل الكون الحقيقي وانما على سطح تلك المرآة او بمعنى أصح فإننا نقيس انعكاس الواقعية والحقيقة بشكل مُغاير طبعا لما هي عليه بالواقع تلك الحقيقة الواقعية.
تُرى من تكون تلك المرأة التي نرى الواقعية تُعرض عليها؟هي ببساطة الكون الذي نراه حولنا فما نراه من حولنا هو صور قليلة جداجدا من اللانهائيةالواقعية وهذا معناه اننا ندركصفات وقدرات وخصائص قليلة جدا ومُغايرة لتلك الصفات والخصائص التي يمتلكها الكون
ومثال على هذا – أنا الكابتن مصطفى واراد أحدهم دراسة شخصيتي وبدل أن يقوم بدراستي انا قام بدراسة ظلي المرسوم على الارض والسؤال هنا من سيصدق ان ذلك الشخص الذي قام بتلك الدراسة قد عرف حقيقة من يكون الكابتن مصطفى لطالما انه درس فقط ظله لا شخصيته؟
وهكذا وبالنتيجة فان ما نعرفه اليوم ونستطيع ادراكه هو أن كل ما نراه من حولنا هي صور لا أكثر وان كل ما يحدث من حولنا لا يحدث حقيقة في الكون الحقيقي ولكن نحن من يعتقد انه يحدث.
هذا الامر تم البرهان عليه من خلال الابحاث التي تمت في علم دراسة الاعصاب والذي يقول: بأن كل ما نراه من حولنا والذي نطلق عليه نحن اسم (مادي) وحقيقي وواقعي هو ما نحس به عند ملامستنا له.. اي ان حاسة الشم والذوق والسمع والتي تشكل بمجموعها المفهوم (المادي) لنا اضافة الى الالوان والصفات الطبيعية فان كل هذه الامور لا تحدث هناك في الخارج الكوني ولكنها تحدث فقط في عقولنا.
بمعنى اخر لو كان هناك مخلوق يمتلك عقلا مُختلف عن عقولنا فان ادراكه لكل ما ندركه نحن كبشر كان سيكون مُختلفاً كليا ومن الممكن بل على الارجح كان سيرى أشياء نحن لا نستطيع رؤيتها أو ملاحظتها أو ربما انه لم يكن ليستطيع أن يرى ما نراه نحن ونعتبره بديهيا
اذا فعالمنا الخارجي والذي نطلق عليه اسماء متعددة ومختلفة مثل: (الكون الحقيقي – الطاولة –الكرسي) لا وجود له الا في عقولنا وليس في الخارج – و هذا يقودنا الى استنتاج يقول: بأن الشيء الوحيد الواقعي هو إحساسنا بوجود بعض الأشياء اضافة الى قدرتنا على استيعاب وجود بعض الاشياء الاخرى التي لا تدركها أحاسيسنا.
وتكملة لما سبق فان مفهوم ما تشعر به أحاسيسنا هو قطعة صغيرة جداً مما هو موجود بالفعل وعلى ارض الواقع من حولنا.
فعلى سبيل المثال: عندما نقول (الشمس) فانه دائما عند سماعنا لاسم (الشمس) نستحضر وندرك بشكل عفوي في عقولنا وجه الشمس والذي يُطلق عليه اسم الكرة المضيئة ذات اللون البرتقالي المائل للاصفرار في بعض الاوقات والذهبي في اثناء ساعات النهار.
هذه الصورة للشمس ندركها لأننا نراها بعيوننا لكن لو كانت لدينا القدرة على الرؤية بالطريقة التي تستخدمها التلسكوبات الفلكية التي تستخدم ترددات الراديو كنا سنرى قرص الشمس أكبر مما هو عليه وكذلك لونها مختلف عما نراه نحن بأعيننا فنحن نراها بلون ذهبي أثناء ساعات النهار وفي الشروق والغروب بلون برتقالي مائل للاصفرار.
بينما لو كنا نشاهدها كما تُرى من خلال التلسكوبات فانا كنا سنراها بلون برتقالي مائل للأزرق وسبب اختلاف الالوان هذا ما بين العين المُجردة والتلسكوب ببساطة لأنه باستخدام التلسكوب نستطيع ان نرى مناطق فوق سطح الشمس وفي الغلاف الخارجي للكرة المضيئة والتي لا يمكن لعيوننا أن تراها.
ولو كان باستطاعة عيوننا أن تبصر وترى ما تراه أجهزة الرصد الفلكي والتي تعمل على موجات وترددات أخرى للراديو فإننا كنا سنرى الشمس أكبر مما رأيناها من خلال موجات أخرى وهنا يعود السؤال من جديد ليطرح نفسه وهو أصلا محور حديثنا الا وهو (الحقيقة) فأي شكل ولون وحجم حقيقي من بين كل ما رأيناه للشمس؟!
هل حجم ولون الشمس هو ذلك الذي رأيناها به من خلال عيوننا؟ ام ما رأيناه من خلال موجات وترددات الراديو المختلفة؟!
ان الشمس الحقيقية هي كل ما شاهدناه وليس فقط ما رأته عيوننا وهذا يوصلنا الى نتيجة مفادها ان كل ما تراه عيوننا هو جزء بسيط من الحقيقة وليس كل الحقيقة.
اما المادة الشمسية التي تنهمر من الكرة المضيئة والتي لا تراها أبصارنا ولكنها تجتاح مسافات كبيرة جدا في الفضاء الخارجي وتصل الى ما وراء حدود المنظومة الشمسية وعدم ادراكنا لهذه المادة هو لأن الشمس تقذفها على شكل أشعة بموجات ترددية لا تستطيع العين البشرية رؤيتها ولا ادراكها وبالتالي فان عدم مقدرتنا على رؤيتها لا يعني قطعا انها غير موجودة.
لقد اعتدنا اليوم كبشر – كمدنية – أن نقول عن شيء ما أنه موجود من خلال رؤيتنا لذلك الشيء القابع ضمن مساحة مُحدده وله ابعاد تحيط به حيث هذه الأبعاد تُعَينها و تُحدِدَها احاسيسنا فمثلا أبعاد أو حدود أية منضده نراها امامنا من الممكن انها كانت قد تتغير فيما لو كانت استطاعة وقدرات أحاسيسنا مختلفة عما هي عليه!!
أمر أخر – هل فكر أحدنا ولو لمرة واحدة مما تتألف تلك المادة التي ندعوها (بالمادةاليابسة) والتي عندما نلمسها ندرك بأنها مادة قاسية وصلبة؟!
انها تتألف من ذرات دقيقة وتلك الذرات تتألف من الكترونات ونترونات وبروتونات والفراغات التي تفصل بينهم كبيرة جدا ولكننا لا نستطيع أن نراها بسبب ضعف حواسنا وهذه الذرات من الالكترونات والنترونات والبروتونات تنتج من أجسام صغيرة جدا والتي هي تيارات طاقة فبالتالي أي شيء قد نجده أمامنا ونطلق عليه اسم مادي مثل:(مقعد– منضدة –انسان) هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من مجموع كبير جدا لجُسيمات صغيره مُحدده والتي هي بالتالي مجموع كبير وهائل لتيارات من الطاقة.
ولكن ورغم كل هذا لا نستطيع أن ندرك هذه الطاقة لأن أحاسيسنا قد تمت برمجتها مُسبقا على نحو بحيث انها لا تشعر بتلك الفراغات الموجودة في المادة ولا بتلك التيارات من الطاقة بل لتدفعنا لأن نشعر ونحس بالأشياءمن خلال احساس كاذب في كل شيء.
ولذلك فان تغيرت فيزيائية الاشياء فسوف تتغير الطريقة التي نلامس بها حقيقة الكون وبما أن تغير الطرق المُتبعة في الاقتراب من الحقائق أو ادراكها قد يزعج ضمنا الكثيرين والذي من الافضل لهؤلاء الكثيرين أن لا يستبقوا الاحكام على هذه الطرق الجديدةوعلى هذا العلم الجديد لأنه ببساطة امر قد لا نستطيع استيعابه الآن الا أنه لا يجب الحكم عليه مُسبقا ولا تهميشه لأننا ان بقينا متمسكين بالماضي والقديم سوف يأتي يوم و ينتقم منا هذا الجديد شر انتقام ان بقينا على افكارنا البالية.
بقلم: الكابتن البحري وربان أعالي بحار
مصطفى كريدلي
أثينا في: 20.11.2024
ملاحظة: هذا المقال واللوحات المُرفقة معه هو مقدمة لكتاب لي أعمل عليه منذ سنوات عديدة وقد خَصصت به وبشكل خاص صحيفة الدنيا فقط ولم يُنشر في أي موقع على الانترنت.
الدنيا تتوجه بالشكر والامتنان للكابتن البحري وربان أعالي البحار د. مصطفى كريدلي على كرمه ومنحها هذا الجهد الفريد.