الطقس والحقيقة حول مَوجة الحَر - متى ستأتي مَوجة الحَر الطويلة والشديدَة؟
الطقس والحقيقة حول مَوجة الحَر - متى ستأتي مَوجة الحَر الطويلة والشديدَة؟

الطقس والحقيقة حول مَوجة الحَر – متى ستأتي مَوجة الحَر الطويلة والشديدَة؟

د. مصطفى كريدلي
خاص الدنيا
في الآونة الأخيرة، كثرت التحليلات بناءً على النماذج الجوية حول التنبؤ بالطقس للأيام القادمة، وخاصةً فيما يتعلق بموجة الحر الطويلة المتوقعة ومع ذلك، فإن الحر في منتصف تموز – يوليو ليس ظاهرة نادرة، ولذلك لا ينبغي أن يسود الارتباك.
ما هي المناطق التي ستكون الاستثناء الوحيد وماذا يحدث مع درجات الحرارة في منطقة شرق المتوسط ومنها اليونان.؟
وفقًا لموقع الظواهر الجَوية اليوناني ( Weather Phenomena) بالتأكيد، السيناريو المتطرف لموجة الحر القوية الذي أظهره النموذج الأمريكي GFS قبل أيام قليلة – حيث كان من المتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى مستويات نراها عادة في السعودية أو الصحراء الكبرى قد تم استبعاده نهائياً.
لكن ومع ذلك، يبدو أنه ابتداءً من:17 تموز – يوليو سندخل في حلقة من درجات الحرارة المرتفعة، حيث ستتراوح درجات الحرارة بشكل ثابت بين: 36 و38 درجة مئوية في عدة مناطق من أجزاء حوض البحر الأبيض المتوسط، بينما في بعض المناطق الحساسة سيرتفع الزئبق محلياً إلى: 40 أو 41 درجة مئوية، باستثناء جزر بحر (إيجا)، حيث ستكون الظروف أكثر اعتدالًا.
رغم ذلك، حتى موجة طويلة من الحر الشديد التي قد تتخذ أحيانًا سمات موجة حَر رسمية، ليست مثالية للجسم البشري، وخصوصًا للفئات الضعيفة مثل كبار السن والأطفال.
وبالطبع، لا يُستثنى من ذلك الحيوانات الضالة، التي تتحمل مشقة أكبر في ظل درجات الحرارة المرتفعة، حيث تفتقر إلى سهولة الوصول إلى مياه الشرب أو التواجد في بيئة باردة.
لكن من غير المنطقي أن يسود التهويل الإعلامي بعناوين تزرع الذعر والقلق بين الناس.
فالمعلومة الدقيقة والوقاية هما ما ينقذ الأرواح، وليس العناوين التي توحي بأن من يجرؤ على الخروج من المنزل سيتبخر!ولحسن حظنا، لسنا على كوكب الزهرة، بل على كوكب الأرض!
لذا، سيصدر خلال هذا الأسبوع تقرير مفصل عن تطورات الطقس، وكذلك عن مدة استمرار درجات الحرارة المرتفعة المتوقعة خلال الثلث الأخير من تموز – يوليو.
وبما أنه في معظم الأحيان حالة الطقس التي تكون عادة في اليونان فإنها تمتد الى شرق البحر الأبيض المتوسط اليكم ماذا يحدث مع درجات الحرارة في اليونان.
يوضح خبير الأرصاد الجوية اليوناني (ثيودورسكوليداس) أسباب تباين درجات الحرارة في منطقة (أتيكا )،(ومنطقة – أتيكا– تعني محافظة أثينا) مشيرًا إلى أن هناك عوامل إضافية تعزز من ارتفاع الحرارة.
وإليكم تحليله بالتفصيل:
ليست الأمور كلها رياضيات وأرقام بل هناك تفسيرا فيزيائياً أيضاً.
- تم تسجيل درجات حرارة وصلت حتى (38.8 درجة مئوية) في منطقة مجاورة لمدينة أثينا وتدعى (أجي ثيوذوري) لكن بشكل عام كانت درجات الحرارة في عدة مناطق من محافظة أثينا تتراوح ما بين: (36 – 38 درجة مئوية) مع درجة حرارة تصل الى حوالي: (20 درجة مئوية) على مستوى (hPa.850).
- تم استخدام المعدل القياسي للانحدار الحراري – (dry adiabatic lapse rate)لتقدير درجة حرارة السطح من خلال بيانات 850hPa، وتُقدر بحوالي: (1 درجة مئوية) لكل 100 متر.
- من (850) أي ارتفاع حوالي 1500 متر وحتى سطح الأرض، كنا نتوقع ارتفاعًا لدرجات الحرارة بمقدار يتراوح بين: (14 – 15 درجة مئوية) لكل 100 متر بافتراض ظروف جافة وصافية مع إشعاع شمسي قوي.
- وبالتالي مع (20 درجة مئوية) على مستوى (hPa.850) كان من المتوقع أن تكون أقصى درجات الحرارة عند السطح ما بين: (34 – 35 درجة مئوية)ولكن القيم المسجلة كانت أعلى بكثير، مما يشير إلى عوامل إضافية تعزز التسخين.
- البيئة الحضرية في أثينا تؤدي الى ظاهرة الجزيرة الحرارية الحضرية والتي قد تضيف ما بين: (2 – 4 درجات مئوية)إلى القيم المرتفعة أساسًا.
- بالإضافة الى ذلك فإن الرياح الجافة والحارة الهابطة ازدادت حرارتها بفعل الانضغاط خلال نزولها، مما أدى إلى ارتفاع شديد في درجات الحرارة.
- التوزيع الإحصائي وكثافة البيانات تشير إلى أن القيمة الأكثر موثوقية وتمثيلًا لأثينا هي حوالي 5°C، مع درجات حرارة أقل على السواحل حيث 35.5 درجة مئوية.
تعريفات لاصطلاحات وردت في المقال:
ما هو معدل التغير الحراري الأدياباتي الجاف- (dry adiabatic lapse rate) ؟
هو معدل انخفاض درجة الحرارة كلما صعدنا في الغلاف الجوي، عندما يكون الهواء جافًا ولا يفقد أو يكتسب حرارة من البيئة المحيطة أي (بدون تبادل حراري) وهذا المُعَدل القياسي يساوي تقريباً (1 درجة مئوية لكل 100 متر ارتفاع).
بمعنى آخر: أن درجة الحرارة تنخفض عادةً بمعدل (1 درجة مئوية) لكل 100 متر ارتفاع، عندما يكون الهواء جافًا ولا يتبادل الحرارة مع ما حوله.
ما معنى (أدياباتي–Adiabatic)؟
إن كلمة (أدياباتيك ) بالإنكليزية هي كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية وتحديدا من فعل (διαβαίνω) والذي يعني (أعبُر) ومعناها فيزيائياً في هذا السياق هو انها: عملية تحدث بدون تبادل للحرارة مع الوسط المحيطأي أن الجسم (أو الكتلة الهوائية، في سياق الطقس) لا يكتسب ولا يفقد حرارة من البيئة المحيطةبه أثناء العملية.
ما هو التغير الحراري الأديباتي (Adiabatic Temperature Change)؟
هو التغير في درجة حرارة كتلة من الهواء عندما ترتفع أو تهبط في الغلاف الجوي دون أن تتبادل حرارة مع محيطهاويحدث هذا التغيير بسبب:
- التمدد عند الارتفاع (الهواء يقل ضغطه ويتمدد فيبرد).
- الانضغاط عند الانخفاض (الهواء يزداد ضغطه وينضغط فيسخُن).
أنواع التغير الأدياباتي:
1 – التغيير الأدياباتي الجاف (Dry Adiabatic Lapse Rate – DALR) ويحدث عندما تكون الكتلة الهوائية جافة (أي غير مشبعة ببخار الماء) ومعدل هذا التغيير يكون: (1 درجة مئوية لكل 100 صعوداً (أي ان الهواء يبرد بمعدل 1 درجة مئوية كل 100 متر يرتفع فيه).
2 – التغيير الأدياباتي الرطب (Moist Adiabatic Lapse Rate – MALR) ) ويحدث عندما تكون الكتلة الهوائية مُشبعة ببخار الماء أي أن الرطوبة النسبية هي بمقدار: 100 %. اما معدل هذا التغيير فهو أقل من الجاف ويتراوح بين: (0.5 – 0.7 درجة مئوية كل 100 متر يرتفع فيه) لأن تكاثف بخار الماء يطلق حرارة ويقلل من التبريد.
مثال بسيط:
تخيل أننا نرفع بالونًا من الهواء الجاف من سطح الأرض إلى الأعلى فانه في كل 100 متر يصعدها، تنخفض درجة حرارته حوالي (1 درجة مئوية) إذا لم يتبادل الحرارة مع الجو المحيط.
- وإذا افترضنا أننا عندما بدأ البالون بالارتفاع من سطح الارص كانت درجة الحرارة (30 درجة مئوية) فإنه بعد ان يرتفع البالون ويصل الى ارتفاع (1000 متر) ستكون حرارته تقريبا (20 درجة مئوية).
لماذا فهم التغير (الأدياباتي) مُهم في الأرصاد الجوية؟
لأنه يُساعد في:
- توقع تكون وتشكل السُحب.
- تحديد استقرار الغلاف الجوي.
- فهم الاختلاف بين حرارة طبقات الجو وحرارة السطح.
الى ماذا يرمز الاصطلاح (hPa.850):
هذا الاصطلاح يستخدم في الأرصاد الجَوية وهو وحدة قياس ضغط جوي (هكتو باسكال) فعند مستوى سطح البحر عادة ما يكون الضغط الجوي يساوي حوالي: (hPa.1013) وبالتالي فإن مقدار الضغط الجوي (hPa.850) يُسر الى ارتفاع وقدره تقريباً (1.500 متر) فوق سطح البحر (وقد يختلف قليلاً حسب الطقس والظروف).
في الأرصاد الجوية يُستخدم مستوى الضغط (hPa.850) كمرجع لقياس درجة حرارة الجو في طبقات الجو السفلية، وهو مهم لتقدير درجات الحرارة عند سطح الأرض.
بقلم: الكابتن البحري ورُبان أعالي بحار
مصطفى كريدلي
أثينا في: 15 تموز – يوليو 2025
ملاحظة: هذا المقال تم نشره بصحيفة الدنيا السورية الالكترونية وبمجلة (صوت الربابنة) التابع لاتحاد ربابنة أعالي البحار اليوناني وعلى صفحتي في الفيس بوك.
مصدر الخبر: