أدب وفن ورياضة
أخر الأخبار

تدني الخطاب الإعلامي إلى أين؟

تدني الخطاب الإعلامي إلى أين؟

تدني الخطاب الإعلامي إلى أين؟

د. سامر عبدالغني العطري

لايمر يوم دون تلك البرامج السيئة التي تتسابق بعض الفضائيات العربية إلى تقديمها بعد تحطيمها الرقم القياسي في سوء الخطاب وتدني الأسلوب السوقي في تداول المفردات الهابطة والكلمات النابية ، سواء في مشهد كوميدي مفتعل أوبعض برامج المسابقات والحوارات التي يغلب عليها طابع الإبتذال والتهريج والتسخيف ، أو فيما يعرف ببرامج الواقع .. حتى كادت الفضائيات هذه تحقق الرقم الأعلى في ” الريتنك ” نسبة المشاهدة . وفي حساباتها أن المزاج العام يميل إلى هذا النوع من الخطاب الإعلامي الهابط أو على حد رأي اشقائنا في مصر : “الجمهور عايز كده ..”

وإذا كان بين عذب الكلام وسوء الملافظ مسافة شاسعة لايدركها إلا المهذبون العارفون بدقة مغذى القول الحكيم ” لكل مقام مقال …” فإن الأمرعند بعض العامة والجهلة يبدو سيان . فلا غرو في أن يخلطون جميل اللغة بفاسدها في اللحظة الواحدة دون الإنتباه إلى قيمة مايطلقونه ومدى تأثيره على أفكار أومشاعر على الناس .

أن أمثال هؤلاء لهم تبريراتهم الخاصة التي هي وليدة التفكير السطحي والتنشئة البيئية الرديئة والانحدار الطبقي ذي الثقافة المتدنية . وهي تبريرات تولد في الشارع وتتغذى على افرازاته وتنمو عليه ، ولذلك تجدهم ينظرون إلى كل مايرمونه من كلام على مسامع الآخرين باعتباره ” كلام طبيعي جداً ” وماعلى الآخرين سوى استقباله بتهليل وترحيب دونما احتجاج و استنكار.

غني عن البيان أن النماذج هذه كانت تحقق حضورها في زمن ماقبل الفضائيات ووسائل التواصل الإجتماعي في المقاهي والأزقة والشوارع والبارات الرخيصة فقط ، وهي أماكن طبيعية جداً وبيئة خصبة لها ، ولهذا كان ضررها الخطابي آنذاك محدود النطاق وتأثيرها الفكري لايحقق نجاحاً إلا في حدوده الدنيا لدى العقول المحدودة التي تجيد الإستقبال فقط ، ولا تجيد الفرز والتصنيف والتحليل .

غير أن الخطاب الإعلامي الهابط والمتفاقم لبعض الفضائيات العربية ، والمتأثر بخطاب شوارعي متدن ، شاء أن ينقل خطاب النماذج السيئة هذه من تلك الأماكن الى الاستوديوهات ، تارة بحجة ملازمة الشارع والتفاعل مع تفاصيله كافة ، وتارة بذريعة تلبية احتياجات برامج مايعرف ب ” تلفزيونات وبرامج الواقع ” . فذهب إلى حدود منحهم مساحة واسعة و صلاحية متزايدة من أجل تسويق الثقافة الشوارعية وزرعها في دماغ الجيل الجديد الذي كنا نعول على تحضيره كثيراً ، ليجعلوا منه نسخة سيئة لاتعرف من الحضارة إلا قشورها . حتى أضحت بعض الفضائيات في تسابق وتنافس في سوء الكلام ونقل المفردات الهابطة والكلمات النابية بشكل غير مسبوق .

انها كارثة حقيقية تحيق بنا وقد بدأنا نلمس انعكساتها ، من أسف ، على أخلاق وسلوك الصغار وعدد كبير من الكبار ممن لايتحلون بالبنية التحتية الأخلاقية والثقافية والمعرفية . خصوصاً في طرائق كلامهم وأساليب حوارهم مع الآخرين ، تلك الطرائق والأساليب التي لم يتحرجوا من استخدامها في كل مكان ومع اي كان .

من هنا وجب إعادة النظر في الخطاب الإعلامي بوجه عام ، والتدقيق في أداء بعض الفضائيات العربية بوجه خاص . ووضع ضوابط له في خضم غياب المعايير وانعدام المقاييس ، تلافياً لنتائج قد تكون أكثر خطورة في تكوين الثقافة وتأثيراتها على البنية الفكرية والطريقة الخطابية لإنساننا المعاصر .

د . سامر العطري

زر الذهاب إلى الأعلى