
ترامب… شكراً من القلب!
خاص الدنيا – فيصل العطري
يُقال: “نحن نكبر من أخطاء أعدائنا”.
سيُسجِّل التاريخ أن دونالد ترامب، وفي محاولته المزعومة تحقيق شعار “جعل أمريكا عظيمة مجدداً”، قدّم للعالم، عن قصد أو غير قصد، أعظم خدمة: كشف هشاشة القطب الواحد، ودفع الحلفاء للبحث عن مظلة جديدة.
ترامب ليس رئيساً أمريكياً مثيراً للجدل فحسب، بل هو زلزالٌ سياسي يهزّ أسس النظام العالمي. فسياساته العشوائية، وقراراته الانفعالية المتناقضة، وخطابه الاستفزازي، أرعبت حلفاءه قبل أن تُربك خصومه. فحين كان يرفع شعار “أمريكا أولًا”، كان العالم يترجمه: “أمريكا وحدها”.
كانت أولى ضرباته: حرب التعريفات… وخسارة الأصدقاء
بدأ ترامب حروبه التجارية بحماسة تاجر عقارات جشع، لا بعقلية قائد عالمي، فرض تعريفات جمركية على الحديد والألمنيوم… حتى على حلفاء الناتو: ألمانيا، اليابان، كندا… وغيرهم.
كلهم تلقوا الصفعات الاقتصادية دون سابق إنذار، مما حوّل ثقتهم بأمريكا إلى شك، والشراكة إلى حذر، والتحالف إلى حسابات باردة.
وبدأ الجميع يسأل: إذا كان ترامب يعاملنا هكذا في السلم… فماذا سيفعل لو اندلعت حرب؟
الصين… العدو الذي صنعه بيديه
أراد ترامب “إضعاف الصين”… فدفعها لأن تصبح غير قابلة للكسر، فقد أجبرت الحرب التجارية بكين على تسريع استقلالها التكنولوجي، من الرقائق إلى الذكاء الاصطناعي، فتبدّلت نظرة العالم للصين من “تهديد” إلى “بديل وحليف مستقبلي”.
حتى الحلفاء التقليديون بدأوا يفكرون: لماذا نضع مستقبلنا بيد حليف غير موثوق، يمكن أن يدمّرنا بقرار… أو بتغريدة؟
أوكرانيا… الصفقة التي عززت بوتين
في محاولة يائسة لـ”استمالة بوتين”، عرض ترامب التنازل عن أراضي أوكرانية مقابل “سلام”، فلم ينجح.
لكن النتيجة الأخطر أنه أعطى بوتين شرعية سياسية، وأضعف موقف كييف وقبلها أوربا، ودفع روسيا والصين إلى عناق أوثق، فبينما كان ترامب يفاوض، كان بوتين يبني تحالفاً أوثق.
الهند… الحليف الذي دفعه للحضن الصيني
فرض ترامب عقوبات اقتصادية على نيودلهي، لأسباب يُقال شخصية تافهة “لأن رئيس الوزراء الهندي رفض ترشيح ترامب لجائزة نوبل لدوره “المزعوم” بايقاف الحرب بين الهند وباكستان.
لم تتردد الهند هذا العملاق الديموغرافي والاقتصادي، نسيت خلافاتها مع الصين، و وقّعت صفقات، وفتحت أسواقها، فخسر ترامب حليفاً استراتيجياً خطيراً كان يعتبره بديلاً للصين.
قطر… اللحظة الكاشفة
عندما ضربت إسرائيل الدوحة، المحمية بمنظومة دفاعية أمريكية متطورة لم يحرك البيت الأبيض ساكناً، ولم يرسل تحذيراً أو يطالب بالتحقيق ولم يقدم مجرد إدانة!!.
كيف اصيبت الرادرات بالعمى وعجزت عن اكتشاف الهجوم؟ لا أحد يعرف!!، إن كان السبب تواطئ أمريكي فهي كارثة، أما إن كان السبب اختراق سيبراني إسرائيلي لتلك المنظومة فالأمر أخطر وأسوأ، لأنه يجعل تلك المنظومة ومثيلاتها مجرد خردة بلا قيمة.
الحماية الأمريكية لم تعد ضمانة.
السعودية والإمارات شعرتا بالخطر. الخليج كله أدرك: لا يمكن الرهان على واشنطن بعد الآن.
بدأ البحث عن بدائل: منظومات دفاع صينية، شراكات أمنية مع روسيا، تنويع التسليح… حتى العلاقات الدبلوماسية أُعيد تشكيلها.
وزارة “الحرب”… وليس الدفاع!
بهدف إرعاب العالم غيّر ترامب اسم “وزارة الدفاع” ليصبح “وزارة الحرب”، وكأنه أراد أن يقول للعالم: أمريكا لا تحمي، بل تُهاجم.
فهم الحلفاء الرسالة ومفادها: أنتم أدوات، ولستم شركاء.
لعله لم يقصد، لكنه من حيث النتيجة فعل، فسياساته العشوائية كشفت هشاشة النظام الأمريكي، وتحالفاته المتقلبة جعلت الحلفاء يبحثون عن الاستقرار في مكان آخر، وعنجهيته وغروره دفعتا حتى الأصدقاء للتفكير: “لا يمكننا أن نربط مصيرنا بزعيم قد يُغيّر رأيه بين عشية وضحاها.”
العالم اليوم لا يتحدث عن “نهاية أمريكا”، لكن عن بداية نظام متعدد الأقطاب.
والفضل يعود لترامب.
فهو من بادر باستعداء الصين فمنحها فرصة التقدم.
وهو من دفع روسيا والهند وإيران إلى التقارب.
وهو من جعل الخليج يعيد حساباته.
وهو من جعل حتى الأوروبيين يفكرون في “جيش أوروبي مستقل”.
ترامب… شكراً من القلب.
لقد علّمت البشرية درساً لن تنساه:
لا تعتمد على أحد… إلا على نفسك.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب