تشومسكي يفضح لعبة الإعلام: كيف تتحول الحقيقة إلى كذبة مُصاغة؟
تشومسكي يفضح لعبة الإعلام: كيف تتحول الحقيقة إلى كذبة مُصاغة؟

تشومسكي يفضح لعبة الإعلام: كيف تتحول الحقيقة إلى كذبة مُصاغة؟
خاص الدنيا
في عصرٍ باتت فيه المعلومات تتدفق من كل الاتجاهات، الحقيقي منها والمزيف، قد نشعر أننا نملك كل الحقائق تحت أيدينا.
لكن ماذا لو كانت هذه الحقائق ليست إلا جزءاً مختاراً بعناية من الواقع؟
وماذا لو أن وسائل الإعلام، التي نعتمد عليها في فهم العالم، لم تكن ناقلة للحقائق، بل صانعة لها؟
الفيلسوف واللغوي الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي كشف عن واحدة من أخطر النظريات حول الإعلام الحديث، ففي كتابه الأشهر “صناعة الموافقة” (Manufacturing Consent) الذي ألفه بالتعاون مع الصحفي إدوارد هيرمان، يطرح فكرة راديكالية* تقول:
إن الإعلام ليس مجرد ناقل للأحداث، بل هو أداة تُستخدم لتشكيل وعي الجماهير وتوجيه آرائهم بما يخدم النخب الحاكمة سياسياً واقتصادياً. ويقول إن هذه العملية لا تحدث بشكل عنيف أو واضح، بل عبر آليات دقيقة وممنهجة مثل التكرار، الإهمال في التغطية، التضخيم غير المبرر، والإطار اللغوي للأخبار.
إذاً، كيف يتم تصنيع الموافقة؟
يشير تشومسكي وهيرمان إلى وجود ما سماه المؤلفان “نموذج الصناعات الخمس”، وهو إطار يوضح كيف تعمل المؤسسات الإعلامية الكبرى على تنسيق الرسائل التي تنقلها.
هذا النموذج يفترض أن الإعلام يخضع لسيطرة عدد قليل من الشركات الكبرى، والتي تكون مرتبطة بمصالح اقتصادية وسياسية ضيقة.
وبذلك، فإن الأخبار لا تُنتج لتكون حقيقية فقط، بل لتكون مفيدة للقوى القائمة.
على سبيل المثال، عندما تتجاهل وسائل إعلام دولية أحداثاً كبرى تدين دولاً غربية بينما تسلط الضوء على قضايا صغيرة في خصومها، فهي بذلك لا تمارس الصحافة، بل تمارس الدعاية السياسية.
وقد سبق أن أدان تشومسكي هذا النوع من التحيز باسم “نظرية البروباغندا”، والتي تعني استخدام الإعلام كوسيلة لتعزيز خطاب سياسي دون الآخر، حتى وإن كان ذلك يتطلب تزييف الوقائع أو تجاهلها.
هل أفكارك حقيقية أم مُصنَّعة؟
قد يبدو السؤال مبالغًا فيه، لكنه محوري.
هل اختياراتك السياسية، انفعالاتك تجاه قضية ما، أو حتى طريقة رؤيتك للتاريخ هي حقاً نتاج تفكيرك المستقل؟
أم أنها نتيجة عملية تغذية إعلامية مستمرة تلقائية؟
الباحث الفرنسي جان بودريار ذهب بعيداً في نظريته عن “مجتمع الاستهلاك” حين قال:
إننا لا نعيش في عالم حقيقي بل في عالم من الصور والرموز التي تم تصميمها لنستهلكها.
وهذا ما يحدث مع الإعلام:
فنحن لا نرى العالم كما هو بل كما يريد لنا بعض صناع القرار أن نراه.
دعوة للتفكير النقدي
ربما يكون أحد أهم الاستنتاجات التي يمكن أن نصل إليها بعد فهم نظرية تشومسكي، هو أن القراءة السلبية للأخبار لم تعد كافية.
نحتاج اليوم إلى قراءة ناقدة، متشككة، تبحث عن ما وراء الكلمات، وتسأل:
من كتب هذا الخبر؟
من يستفيد من هذا الخطاب؟
ولماذا تم التركيز على هذه الزاوية دون غيرها؟
فالإعلام ليس مجرد نافذة نطل منها على العالم، بل هو إطار يحدد لنا ما نرى وما لا نرى.
والحقيقة، كما يقول تشومسكي، ليست دائمًا ما يُقال، بل هي ما يُخفى.
إذاً، ربما حريٌ بنا أن نبدأ بالسؤال:
هل نحن أحرار في اختيار آرائنا؟
أم أننا مجرد متلقين لبرنامج إعلامي غادر؟
فيصل العطري
*الفكرة الراديكالية: هي فكرة تُشكك في جذور الأنظمة القائمة وتطالب بتغييرات جوهرية في البنية الاجتماعية أو السياسية.