شؤون قانونية
أخر الأخبار

جريمة مشاركة منشور

جريمة مشاركة منشور

جريمة مشاركة منشور …
قد يثير هذا العنوان الكثير من الاستغراب! بل قد يشكل صدمة مفاجئة لبعض السادة القراء من رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح –من جملة ما تتيحه– خيار المشاركة لمنشور كتبه شخص آخر.. لكن تلك الصدمة وذلك الاستغراب سرعان ما سيتلاشيان بعد قراءة هذه المقالة ومعرفة مجرياتها ودقائق أمورها.

قبل فترة ليست ببعيدة من الزمن تعرضتُ شخصياً لهجوم حاد من إحدى صفحات الفيس بوك التي تعود لأحد الأشخاص الذين يمتلكون ويديرون تلك الصفحة ومثيلاتها من الصفحات التي تدّعي كذباً وزوراً النزاهة والشرف وترفع راية مكافحة الفساد وتتلطّى وراء الشعارات الوطنية الطنّانة وتحاول أن تحتمي بصور القادة والزعماء وهم منها براء، وكان ذنبي الذي جنيته حينها أني وقفتُ متصدياً لذلك الدعيّ بعد أن قام بالتطاول على أشخاص وأصدقاء أعرفهم وأشهد لهم بالنزاهة، ولم يكتفِ بذلك بل وصلت به الأمور حدّ الطعن بشرف بعض الصديقات، الأمر الذي ألحق بأسرهنّ أذى معنوياً فادحاً، لا سيّما أن إحدى تلك الصديقات كان قد توفاها الله منذ فترة وجيزة.
لم أستطع السكوت عن سفالات ذلك الشخص، بل قمت بتحديه على الملأ وفضحت من يتعاون معه من داخل البلاد ومن يشغّله من خارج البلاد، ولجأتُ في مواجهته إلى القضاء وأقمت ضده عدة دعاوى قضائية أمام المحاكم السورية المختصة جزائياً بالنظر بمثل هذه القضايا. وعلى مدى عدة أسابيع أصبحتُ شغله الشاغل، فكان لي نصيب وافر من منشوراته كل عدة أيام مع صورة شخصية لي ولأحد الوزراء ممن كان يشن عليهم حملة شعواء منظمة إضافة لبعض الموظفين في تلك الوزارة. وكان أحد الأصدقاء ممن عرفتهم من خلال عملي كمستشار على خلاف مستحكم مع ذلك الوزير، وكان يضمر له حقداً شخصياً كبيراً، الأمر الذي دفعه إلى تبني كل ما يكتبه ذلك الموتور من خزعبلات على صفحته، فكان يقوم بمشاركتها على صفحته الشخصية مستخدماً فقط خاصية الـ ( sheare) أو المشاركة على الفيس بوك، دون أن يرفق مشاركته البائسة بأية كلمة إضافية أو تعليق شخصي أو رأي خاص به يتعلق بالمنشور الذي يقوم بمشاركته كما هو.
الحقيقة أنه على الصعيد الشخصي آلمني موقفه لأنني وجدتُ فيه ضرباً من ضروب نكران العشرة والصداقة والخبز والملح وكل ما كان بيننا من ود وتقدير وصداقة! وكل ذلك تحت تأثير حقد أعمى جعله لا يرى من حياته ومحيطه إلا عداءه الشخصي وحقده على الوزير فأصاب بشظايا حقده أصدقاءه دون تمييز. ومع تكرار تلك الإساءات منه –ولم أعد أدري إن كانت مقصودة اتجاهي أم لا- بلغ من انزعاجي حداً أنني فكرتُ جدياً أن أتقدم بشكوى ضده إلى المحامي العام بدمشق ليحيلني أصولاً إلى فرع مكافحة الجريمة الإلكترونية للتحقيق في ذلك ومن ثم إحالة الموضوع إلى القضاء الجزائي المختص ليقوم بمحاكته على ما اقترفه من فعل مسيء اتجاهي وليقول كلمته الفصل في ذلك.
في معرض تفكيري بهذا الموضوع تطرقتُ أنا وأحد الأصدقاء لمناقشة الموضوع، فسألني مستغرباً عندما أخبرته بنيّتي التقدم بشكوى ضد ذلك الذي كان صديقاً: هل يطاله العقاب رغم أنه لم يكتب شيئاً؟ -نعم يطاله العقاب، وحتى في حال اقتصار دوره على القيام بمشاركة المنشور على صفحته الشخصية. سألني وقد ازداد استغرابه: كيف ذلك!؟ -إن المشرّع يا صديقي اعتبر مشاركة المنشور جرماً إذا كان المنشور الأصلي يتضمن جرماً من الجرائم المنصوص عليها في القانون، وقد اعتبر المشرع أن مجرد المشاركة وإعادة النشر تعني بالضرورة تبني نفس أفكار وقناعات الناشر الأصلي مما يستوجب تجريم المشارك أيضاً وإنزال ذات العقوبة المفروضة على الناشر عليه، وبذلك يصبح مجرد القيام بفعل إعادة النشر جرماً قائماً بحد ذاته. وبعيداً عن أي شخصنة للموضوع فإني أرى المشرع محقاً فيما ذهب إليه من وجهة نظر قانونية.
قمتُ بتنظيم المعروض اللازم وأرفقتُ به لقطات شاشة للمشاركة والمنشور بعد أن قمتُ بسحبها جميعاً على الورق، وقصدتُ مكتب المحامي العام في القصر العدلي بدمشق، حيث شرحتُ له الموضوع بإيجاز وبعد قراءة المعروض والمرفقات قام بتذييل المعروض بالإحالة إلى فرع مكافحة الجريمة الإلكترونية وتوقيعه طالباً منهم التحقيق في الموضوع أصولاً…
خرجتُ من مكتب المحامي العام قاصداً فرع مكافحة الجريمة الإلكترونية لتسليمهم المعروض وحاشية المحامي العام ليقوموا بإجراءاتهم اللازمة التي من أولها –بعد التحقق من صحة الادعاء– استدعاء الفاعل إلى الفرع والتحقيق معه في الموضوع وربما يصل الأمر إلى حد توقيفه وإحالته إلى القضاء موقوفاً.
في طريقي، تذكرتُ الخبز والملح والصداقة والعشرة التي كانت فوجدتُ نفسي بين مطرقة رد اعتباري الشخصي والمعنوي بسيف القانون وسندان قيم العشرة والصداقة. وتخيلتُ الرجل الذي كان صديقي وهو يراجع الفرع المذكور ويحققون معه وربما يصطحبونه إلى القصر العدلي موقوفاً.. عندها انتصرتْ في نفسي قيم الصداقة التي لم يرعها للأسف، ولستُ نادماً على ذلك البتة، واكتفيتُ بأنني شطبته من حياتي نهائياً.
لذلك يا أصدقائي، والقراء الغوالي.. قبل أن تقوموا بمشاركة أي منشور وتضغطوا على زر الـ (share) قوموا بالعدّ ليس للعشرة بل للمئة والألف. لأن سيف القانون لا يرحم، خصوصاً وأن قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الذي صدر مؤخراً قد نص في المادة /36/ على أنه “تعد إعادة النشر على الشبكة بحكم النشر من حيث التجريم والعقاب”.

بسام العطري
محام ومستشار قانوني-سورية

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى