جينات الفن وموروثات الطرب في آل العطري

منذ 3 أيام

64 2 دقائق

من نافل القول أن الجينات والمورثات لاتنطبق على الشكل و المضمون والطباع .. بل هي ، كما أميل إلى الظن ، نراها تتعدى ذلك لتصل إلى الأهواء والميول والمواهب والممكنات ..

لعله من حسن طالعي اني سليل عائلة دمشقية قد خرج منها رجال فكر وأدب وفن وسياسة قد تركوا بصمات خالدات حاضرات ظلت مرجعاً ودليلاً لا يحتار ..

فقد تنامى إلى مسامعي منذ نعومة الأظفار أحاديث شيقة عن الفنان توفيق العطري الذي اغنى دمشقنا الحبيبة خلال الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي بالفن المسرحي والدرامي .
وقد ترك بصمات خالدات في أعمال فنية مختلفة بين المسرح والسينما .. وهو الذي احتضن ابن شقيقته المرحوم نهاد قلعي المعروف بـ حسني البورظان وكان له الدور الأول الأكبر في حياته ومسيرته الفنية المتميزة ..

على الصعيد الغنائي مازلت اذكر سهرات العائلة الظريفة التي يتخللها الطرب والفن والمرح ..
فقد كان لوالدي الإعلامي والأديب السياسي عبدالغني العطري الدور الأكبر في تشجيع المواهب الفنية والجمالية المتميزة ومد يد العون والمساعدة لها والمؤازة سواء من منابر مجلة الدنيا أو من خلال علاقاته ونفوذه في الأوساط الفنية والثقافية ..

وهنا الحديث يطول في جرد قائمة الفنانين الكبار الذين خرجوا من منابر مؤسسة مجلة الدنيا وفي طليعتهم نجاة الصغيرة وسعاد محمد ونور الهدى وفايزة احمد ونزهت يونس والقائمة تطول في هذا المضمار ..

بيتنا الدمشقي العريق في حي نوري باشا كان شاهداً على زيارات كبار الفنانين والفنانات منهم نازك ونور الهدى وسعاد محمد ومحمد سلمان .. ولطالما زينوا سهرات كثيرة بطربهم ومغناهم .. في الأجواء هذه المترعة بالفن والجمال مازلت اذكر سهرات العائلة وصوت عمتي المرحومة الهام العطري الذي يشبه صوت ام كلثوم وتلك الأغنيات التي كانت تصدح بها في مرافقة عزفها الجميل على عودها الأثري الجميل ..

كل هذا وغيره الكثير ترك بصماته على محسوبكم الداعي لكم بطول العمر فبدأت مواهب الغناء المعمد بالإحساس العميق تتبلور في شخصية الطفل سامر لدرجة عالية أثارت معها مخاوف احد أجنحة العائلة المحافظين من اتجاهي إلى خيار الفن والطرب ما دفع والدتي رحمها الله لمناهضة الميول هذه والحد منها خوفاً على مستقبلي ودراستي ..

وفي حكايات اجدادنا الأتراك فقد كان مصطفى العطري أحد رواد الطرب العثماني وقد بقي اثره الى يومنا هذا مع انه ولد عام ١٦٤٠ وتوفي ١٧١٢ في ظل الدولة العثمانية بعد ان عاصر خمسة سلاطين في حياته وقد برزت مواهبه الفنية الفذة في الشعر والغناء والتلحين وقد ترك الحان كثيرة لا تعد ولا تحصى .. حتى انه سمي بسيد الألحان الموسيقية التركية العربية الكلاسيكية .. فلا غرو ولا مراء في أن تطبع صورته واسمه على ورقة ال ١٠٠ ليرة تركي .. فيما أعلنت منظمة اليونسكو العالمية في العام ٢٠١٢ بذكرى وفاته ال ٣٠٠ بان عام ٢٠١٢ هو ” عام عطري الدولي ..”
هكذا إذن هي حكاية الفن المتجذرة في عائلتنا وكأني بها ذاكرة موروثة مع الجينات والخلايا الجذعية ..

سامر عبدالغني العطري