حكايتي مع الكبير صباح فخري
لم يكن ليل السهر والسمر في دمشقنا الحبيبة يشبه الليل في أي زمان ومكان آخر …
ليلها سهر وسمر .. ونجومها شعر وخمر ونثر ..
دمشق التي ترتدي كل مساء أجمل مالديها من حلي ومجوهرات وترش العطر وتنثر الزهر على نهديها لعشاقها وسمّارها المنذورون ابداً لتيمة الحب ولوعة الهوى …
فالسهر في عيون حبيبتي الجميلة دمشق كان كالسحر الذي يجعلك تدمن الهوى ومعه تصير نديماً ومسامراً شاعراً مرهف القلب والهوى ..
بعض الليالي الحلوة لاتنسى .. ففي تلك الليلة الربيعية كانت السهرة في شيراتون دمشق على صوت الصبوحة التي أحب و مادونا التي أهوى .. فإذا بطارئ غامض يلغي سهرة الشيراتون هذه ليكون بديلها سهرة في نادي الشرق مع الكبير صباح فخري …
بداية أعترف بأن الود كان ذات زمن هو الغائب الأكبر بيني وبين صباح فخري .. اذ لم أكن مع نزق الشباب اتذوق اللون الغنائي لصباح فخري … حتى أني هددّت ليلتها بالانسحاب من السهرة .. فأين حلاوة الصبوحة ورشاقة المادونا من صباح فخري؟!
وهي مقارنة وفق مقاييسي آنذاك لايمكن لها ان ترجح لمصلحة صباح فخري ..
لكن القرار بالمجاملة كان قائماً والمهادنة والمسايرة …
اذكر في سياق سحر تلك الليلة الدمشقية ان السهرة بدأت بعد الساعة العاشرة في صالة نادي الشرق بحضور نخب مجتمعنا المخملي .. وقد استهل صباح فخري وصلته الأولى ببعض روائعه من المواويل والليالي فإذا به يبطحنا طرباً وعشقاً وفرحاً وشوقاً وحناناً منذ الوصلة الأولى ..
تلى ذلك كله أو بعضه وصلات وقدود ومواويل ليست ترحم أهل الهوى…
فتفتح جراح اشواقهم وحنين عشقهم لتأخذهم إلى فردوسهم المفقود ..
في ذياك الليل ترى الساهرين والساهرات سكارى وماهم بسكارى إلا طرباً وعشقاً وجمالاً ..
ترى السيدات الحسناوات الكاسيات منهن وشبه العاريات المحجبات منهن والسافرات يرقصن وعلى الانغام يتمايلن .. فيما نحن معشر الشباب محلقين وفي غياهب العشق مغرمين ودايخين ودايبين …
أذكر ليلتها عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل انضم إلى السهرة احد الكبار المتنفذين من أبطال تلك المرحلة وقد ابى إلا ان يقدم المشروب الروحي ضيافة سخية لكل الساهرين العشاق منهم والمسامرين ..
فطاب السهر والسمر والنثر والشعر..
وظل الطرب على أشده والشوق والعشق لغاية آذان الفجر…
فإذا بصباح فخري يقطع الغناء ويؤذن بنا الفجر حاضراً بخشوع يعيدنا إلى رب السماء..
ثم يستأنف الغناء المعمّد بجمال الليل ودلال العيون..
حتى كانت الساعة السادسة صباحاً حيث ختام السهرة الملحمية …
خرجنا من تلك الليلة الأسطورية هائمين عاشقين دايبين ..
عدت إلى بيتنا العريق في حي نوري باشا وانا قادم من عوالم الليل والسهر والكواكب والنجوم والمجرات ..
ومنذ ذلك الحين صار للمطرب الكبير صباح فخري في ذائقتي الفنية والجمالية صرحاً كبيراً من الإعجاب والتقدير والامتنان …
فيما يلي بعض من تلك الأغنيات الخالدات التي اتحفنا بها هذا الكبير في تلك الليلة الأسطورية الطربية التي لا تنسى…
سامر العطري