اخبار الدنيااقتصاد وتكنولوجيا
أخر الأخبار

دونالد ترامب: رؤية مثيرة للجدل حول العالم كإقطاعية أمريكية

دونالد ترامب : رؤية مثيرة للجدل حول العالم كإقطاعية أمريكية

دونالد ترامب: رؤية مثيرة للجدل حول العالم كإقطاعية أمريكية

لم أجد عنواناً يعبّر بصدق عن جوهر هذا المقال أفضل من “ترامب أوفرسيز”، فالأفعال والقرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ترسم صورة لشخص يتعامل مع العالم وكأنه ساحة لصفقات ضخمة، حيث لا مكان للقوانين الدولية أو الاعتبارات الدبلوماسية.

الصفقة كفلسفة حياة

من يقرأ كتاب “فن الصفقة” (The Art of the Deal) لدونالد ترامب، ويدرك كيف يفكر كرجل أعمال، قد يصاب بالحيرة عند محاولة فهم تصرفاته كرئيس للولايات المتحدة.
ترامب لم يحاول يوماً أن يفصل بين شخصيته كرجل أعمال ودوره كرئيس، بل كان العالم بالنسبة له مجرد ساحة كبيرة للمفاوضات والصفقات.
في نظره، كل شيء قابل للتفاوض، وكل قضية يمكن حلّها عبر صفقة تصب في النهاية في مصلحة الولايات المتحدة، أو بالأحرى مصلحته الشخصية.

لكن المشكلة هنا ليست فقط في هذه النظرة الضيقة، بل في غياب الحكمة السياسية التي تدرك أن الدول ليست مجرد شركات، وأن العلاقات الدولية تتطلب أكثر من مجرد “انتصار” في صفقة معينة.
إذلال الخصوم قد يكون استراتيجية ناجحة في عالم الأعمال، لكن السياسة الدولية ليست كذلك.
الإذلال يولد مشاعر سلبية عميقة، ويمكن أن يؤدي إلى عداوات طويلة الأمد.
والأكثر خطورة أن هناك خصوماً لن يقبلوا بالإذلال تحت أي ظرف، ولن يترددوا في الرد بقوة وتصميم.

قرارات مثيرة للجدل: قناة بنما وأعالي البحار

أحد أبرز الأمثلة على هذه النظرة المثيرة للجدل هو طرح ترامب فكرة ضم قناة بنما إلى الولايات المتحدة.
هذه القناة، التي تمثل شرياناً مهماً للتجارة العالمية، تربط بين المحيطين الأطلسي والهادي، وتمر عبرها سنوياً حوالي 40% من الحاويات الأمريكية.
تصريح ترامب بهذا الشأن أثار دهشة العالم، ليس فقط لأنه يبدو غير واقعي، بل لأنه يعكس اعتقاداً عميقاً بأن العالم بأسره يجب أن يكون تحت سيطرة الولايات المتحدة.

ولكن ترامب لم يكتفِ بذلك.
في خطوة أخرى مثيرة للجدل، أصدر مرسوماً يسمح للشركات الأمريكية بالتنقيب عن المعادن في المياه الدولية، وهو ما يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
وفقاً لهذا المرسوم، يمكن للولايات المتحدة استغلال الموارد الطبيعية في المناطق البحرية التي تقع خارج حدودها الوطنية، وهي مناطق تخضع لإشراف السلطة الدولية لقاع البحار التي تنظم أعمال التنقيب فيها لصالح المجتمع الدولي بأسره.

هذه الخطوة، التي تهدف إلى جمع مليار طن من المعادن والمواد النادرة خلال السنوات القادمة، أثارت غضباً واسعاً، خاصة من جانب الصين. المتحدث باسم الخارجية الصينية، غوو جياكون ، وصف هذه القرارات بأنها “خرق واضح للقانون الدولي وتضر بمصالح المجتمع الدولي ككل”.

القانون الدولي وحدود السيادة

وفق القانون الدولي للبحار، توزع المساحات البحرية على ثلاث مناطق رئيسية:

  1. المياه الإقليمية : تمتد حتى 12 ميلاً بحرياً من خط الساحل، وتتمتع الدولة فيها بسيادة كاملة.
  2. المنطقة الاقتصادية الخالصة : تمتد حتى 200 ميل بحري، وفيها حقوق اقتصادية مثل استغلال الثروات الطبيعية، ولكنها ليست تحت السيادة الكاملة للدولة.
  3. أعالي البحار : هي المناطق التي تتجاوز الـ200 ميل بحري، ولا تخضع لسيادة أي دولة، ويتم تنظيم استغلال مواردها الطبيعية من قبل السلطة الدولية لقاع البحر.

ما فعله ترامب يمثل تحدياً واضحاً لهذه القوانين، ويؤكد أنه يرى نفسه فوق النظام الدولي بأكمله.

قناة السويس وبنما: مطالب جديدة

لكن مفاجآت ترامب لم تتوقف عند هذا الحد. في منشور على منصة “تروث سوشيال”، أثار جدلاً جديداً عندما طالب بأن تمر السفن العسكرية والتجارية الأمريكية عبر قناتي السويس وبنما دون دفع أي رسوم.
وقال إن وجود هاتين القناتين ما كان ليتحقق لولا الدور الأمريكي، مطالباً وزير الخارجية ماركو روبيو (في ذلك الوقت) بالتحرك فوراً لتحقيق هذا الطلب.

هذه التصريحات تعكس رؤية ترامب للأمور كأنها امتداد طبيعي للهيمنة الأمريكية، دون الأخذ بعين الاعتبار الجهود والتضحيات التي بذلتها دول أخرى لبناء هذه القنوات والحفاظ عليها.

العالم ليس اقطاعية أمريكية

من الواضح أن ترامب يعتبر نفسه ممثلاً لرؤية استعمارية قديمة، حيث يرى العالم كإقطاعية تابعة للولايات المتحدة. هذه النظرة ليست فقط مزعجة للدول الأخرى، بل تهدد الاستقرار العالمي. فالعالم اليوم ليس كما كان في القرن التاسع عشر أو حتى منتصف القرن العشرين. الدول أصبحت أكثر استقلالية، والنظام الدولي يعتمد على التعاون والقوانين المشتركة.

ترامب قد يكون ناجحاً في عالم الأعمال، لكن السياسة الدولية تتطلب حكمة مختلفة. إذا استمر في التعامل مع الدول كخصوم يجب إذلالهم أو كأصول يجب استغلالها، فإن النتائج ستكون كارثية. فالعالم ليس اقطاعية أمريكية، والشعوب لن تقبل بأن تكون مجرد أدوات لتحقيق مصالح شخصية أو قومية ضيقة.

دونالد ترامب ترك بصمة واضحة على السياسة الأمريكية والعالمية، لكنها بصمة مثيرة للجدل.
بينما يراها البعض انعكاساً للقوة والجرأة، يراها آخرون تجسيداً للغرور وعدم احترام القوانين الدولية.
في النهاية، العالم يحتاج إلى قيادات تدرك أن التعاون والاحترام المتبادل هما الطريق الوحيد نحو مستقبل مستقر ومزدهر.

زر الذهاب إلى الأعلى