زوكربيرغ سيحويل "واتساب" إلى منجم ذهب رقمي
زوكربيرغ سيحويل "واتساب" إلى منجم ذهب رقمي

زوكربيرغ سيحويل “واتساب” إلى منجم ذهب رقمي
خاص الدنيا
في خطوة قد تقلب موازين السوق الرقمي رأساً على عقب، أطلقت شركة Meta الإعلانات داخل تطبيق واتساب، في تحوّل استراتيجي كبير، بعد سنواتٍ من الالتزام بمبدأ “عدم عرض الإعلانات”، الذي كان أحد الركائز الأساسية التي بُني عليها التطبيق منذ نشأته.
القرار الجديد لا يعني أن المستخدم سيبدأ برؤية إعلانات في محادثاته الشخصية أو الجماعية، بل سيقتصر الأمر حالياً على قسم “الحالة ” (Status) ضمن تبويب “التحديثات ” (Updates)، وهو القسم الذي يشبه إلى حد كبير “ستوري إنستغرام” أو “حالة الفيسبوك”، حيث يمكن للمستخدمين مشاركة تحديثات مؤقتة تختفي بعد 24 ساعة.
لكن خلف هذا التغيير البسيط، تكمن نوايا أكبر، فمارك زوكربيرغ، مؤسس Meta، يأمل أن يصبح واتساب، الذي استحوذت عليه الشركة مقابل 19 مليار دولار عام 2014، واحداً من أهم مصادر الدخل المستقبلية للشركة، خاصة أنه لم يكن حتى الآن سوى “عبء مالي” مقارنة بإمكاناته الكبيرة.
واتساب: تطبيق يستحق الاستثمار
بحسب البيانات الأخيرة، يمتلك واتساب أكثر من 3 مليارات مستخدم نشط شهرياً ، وهو رقم هائل يجعل منه أحد أكثر التطبيقات استخداماً في العالم. لكن ما يزيد من جاذبية الخطوة الجديدة هو أن تبويب “التحديثات” وحده يجذب نحو 1.5 مليار مستخدم يومياً ، هذا العدد الهائل من الزوار اليوميين يمثل سوقاً إعلانياً هائلاً لم تُستغل إمكانياته حتى الآن.
وفقاً لمصادر صحافية، وعلى رأسها تقرير نشرته وكالة “بلومبيرغ”، فإن فكرة تحقيق الدخل من واتساب كانت دائماً مصدر خلاف داخلي داخل الشركة، خاصة مع مغادرة المؤسسين الأصليين للتطبيق، جان كوم وبريان أكتون، في عامَي 2017 و2018 على التوالي، بسبب خلافات حول هذه السياسة بالذات.
لكن يبدو أن Meta الآن أصبحت أكثر ثقة في طرح الإعلانات بطريقة لا تؤثر على تجربة المستخدم الأساسية، كما أكدت ذلك أليس نيوتن ريكس، نائبة رئيس المنتجات في واتساب، مشيرةً إلى أن الإعلانات ستظهر فقط في قسم “الحالة”، ولن تمس المحادثات الخاصة بين المستخدمين.
وأوضحت أن الاستهداف الإعلاني سيكون بناءً على الموقع الجغرافي ، واللغة المفضلة ، والقنوات التي يتابعها المستخدم داخل التطبيق ، وليس عبر تحليل محتوى المحادثات أو معلومات شخصية حساسة.
هل يتحول واتساب إلى منصة تسويقية؟
في تعليق لها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أكدت الخبيرة في التسويق الرقمي دادي جعجع أن ما يحدث اليوم ليس مجرد خطوة تقنية، بل بداية تحول استراتيجي لواتساب من مجرد تطبيق مراسلة إلى منصة تفاعلية تجمع بين التواصل والتسويق .
وتقول جعجع إن الحجم الضخم لقاعدة المستخدمين يفتح أمام Meta آفاقاً جديدة لتحقيق الدخل، مشيرةً إلى أن متوسط العائد لكل مستخدم على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام يتراوح بين 10 و 15 دولاراً سنوياً . وإذا تم تطبيق نفس النموذج على واتساب، فقد تصل الإيرادات المحتملة إلى 10 – 20 مليار دولار سنوياً .
وتشير إلى أن زوكربيرغ يسعى لاستغلال هذه القاعدة الجماهيرية الواسعة، خاصة في الأسواق النامية، حيث يشكل المستخدمون أكثر من 70% من إجمالي مستخدمي التطبيق، وهذه الأسواق تتميز بأنها أقل ازدحاماً بالإعلانات مقارنة بالأسواق المتقدمة، مما يجعلها ميزة تنافسية كبيرة.
متى يتحول واتساب إلى منجم ذهب حقيقي؟
وفق لتقديرات جعجع، إذا تم تحقيق عائد سنوي متوسط بقيمة 5 دولارات فقط لكل مستخدم من أصل 1.5 مليار مستخدم يومي في قسم “الحالة”، فإن الإيرادات السنوية من الإعلانات قد تتجاوز 7.5 مليار دولار ، وقد تصل إلى 15 مليار دولار خلال 3 إلى 5 سنوات، خاصة مع تطور أدوات الاستهداف وزيادة تفاعل الشركات مع المنصة.
وتضيف أن طبيعة الاستخدام اليومي المرتفع جداً لواتساب، حيث يفتح المستخدم التطبيق بمعدل 30 مرة يومياً، تمنحه ميزة تنافسية كبيرة في سوق الإعلانات الرقمية، مقارنةً بتطبيقات أخرى قد تكون أقل شيوعاً أو أقل تداخلاً مع الحياة اليومية للمستخدم.
لماذا هذا التوقيت؟
يرى المطور التكنولوجي فادي حيمور أن دخول واتساب إلى سوق الإعلانات لا يرتبط فقط بتحقيق إيرادات مباشرة، بل هو أيضاً خطوة استراتيجية في سباق السيطرة على “شاشة المستخدم الأولى” ، أي التطبيقات التي يفتحها الشخص أول شيء في الصباح وأخيراً قبل النوم.
ويشير حيمور إلى أن واتساب يتصدر هذه القائمة في معظم دول العالم، مما يجعله منصة مثالية لإطلاق بنية تحتية إعلانية جديدة تدمج بين خدمات المستهلك والشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى العملاقة.
ويوضح أن هذا التحول قد يجعل واتساب “قلب المنظومة الإعلانية الجديدة” لمجموعة Meta، ويقلل من اعتماد الشركة على فيسبوك وإنستغرام، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنصات الأخرى من منافسين جدد مثل تيك توك، وتبني المستخدمين الشباب لسلوكيات مختلفة في التعامل مع الشبكات الاجتماعية.
هل هناك مخاطر؟
بالرغم من الفرص الكبيرة، إلا أن الخطوة تحمل معها بعض المخاطر، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المستخدم والتطبيق . ففي الماضي، كان واتساب يُعرف بأنه تطبيق خالٍ من الإعلانات، وبُنيت شعبيته على هذا الأساس.
ويحذر حيمور من أن أي توسع مستقبلي في عرض الإعلانات خارج قسم “الحالة” قد يؤثر سلباً على تجربة المستخدم، ويُضعف من مفهوم “السلاسة والبساطة” الذي يفضله الكثير من الناس في واتساب.
ويشير إلى أن العديد من المستخدمين يعتبرون دخول الإعلانات تدخلاً غير مرحب به في تجربتهم اليومية، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة، أو حتى البحث عن بدائل مثل تطبيقات مثل “سيغنال” أو “تيليجرام”، التي تقدم تجربة خالية من الإعلانات.
واتساب على أبواب عصر جديد
ما يجري داخل واتساب اليوم ليس مجرد إضافة بسيطة لقسم “الحالة”، بل هو بداية مشروع طويل الأمد تسعى من خلاله Meta إلى استغلال واحدة من أكبر قواعد المستخدمين في العالم، لبناء منصة إعلانية متكاملة.
وإذا نجحت الشركة في الحفاظ على توازن دقيق بين تجربة المستخدم وإيرادات الإعلانات ، فقد يصبح واتساب خلال السنوات المقبلة ثاني أكبر مصدر دخل لشركة Meta بعد فيسبوك، بل وقد يتفوق عليه في بعض الأسواق.
لكن السؤال الأهم الذي يبقى مفتوحاً هو:
هل سيقبل المستخدمون فكرة وجود إعلانات في تطبيق كانوا يعتقدون أنه “آمن” من هذا النوع من التدخلات؟
الجواب لن يأتي من Meta، بل من المستخدم نفسه، ومن مدى استعداده لقبول هذا التحوّل الكبير في تطبيق أصبح جزءاً من حياته اليومية.