طلاق تعسفي
في كثير من الدول الغربية هناك قاعدة أو نص قانوني يحكم حالات الطلاق التي تتم ، تنص تلك القاعدة على أن تحصل الزوجة عند الطلاق على نصف ما جناه الزوج من مال وثروة بعد تاريخ زواجهما ، حيث يتضح لنا بعد قليل من التأمل في تلك القاعدة أن المشرّع قد اعتبر الزوجة شريكة حقيقية للرجل ، فإن كانت الزوجة ربة بيت فهي باهتمامها بالبيت وشؤون الأسرة ومتابعتها كانت شريكة له فيما جناه من مال من عمله الذي أنجزه وتفرغ له بفضل اهتمامها بشؤون البيت ، وإن كانت زوجة عاملة فهي أيضاً شريكة له بالعمل وبما عاد عليهما وعلى بيتهما من هذا العمل من مال ووفرة ، واستناداً لتلك النظرة فقد شّرعت معظم القوانين الغربية هذه القاعدة .
أما في بلادنا الحزينة فلا زالت النساء عرضة للطلاق التعسفي الذي يمكن أن يمارسه الرجل بإرادته المنفردة دون أن يكون للزوجة (المطلقة) أي حق من الحقوق سوى حقها في المهر الذي يتآكل بمرور الزمن وخصوصاً الزمن الطويل ولا سيما في وقتنا هذا ، فما بالكم بالزيجات التي تنهار وتنتهي بالطلاق بعد عشرة طويلة دامت عشرات السنين لتجد نفسها الزوجة في الشارع، مقابل مؤجل مهرها الذي لا يتجاوز بضعة آلاف من الليرات السورية فقط.
في منتصف التسعينيات من القرن الماضي –كنتُ وقتها محامياً ناشئاً– زارتني سيدة من أقربائنا في المكتب ، وكانت ذات حسن وجمال يُضرب به المثال ، إضافة إلى الأخلاق والطبائع الجميلة الراقية ، كانت تلك السيدة قد تزوجت وهي فتاة صغيرة في مطلع الستينيات من القرن الماضي أيضاً ، وعندما زارتني في مكتبي كان قد مضى على زواجها حوالي خمساً وثلاثين سنة أنجبت في خلالها أربعة أولاد …
كانت مسحة الجمال لا زالت بادية بوضوح على وجهها الصبوح رغم أنها قد أضحت في منتصف العقد السادس ، ورغم ملامح الحزن المرتسمة على وجهها بوضوح ، إلا أن ذلك لم ينل من جمالها بالقدر الكبير. بعد أن سلّمت عليّ بودٍّ وأدبٍ لا يخفيان على كل ذي عيان، سألتني عن أحوالي وأحوال العائلة جميعاً بالأسماء ، بعدها انتقلتْ إلى موضوعها الذي جاءت من أجله فبادرتني قائلة:
– لا أريد أن آخذ من وقتك كثيراً ، ولكن لا بد لي من إخبارك بأن عمّك أبو سعيد قد طلّقني ، وأرسل لي تبليغاً من المحكمة الشرعية بذلك. فوجئتُ تماماً بما قالته ، فزواجها كان مستقراً ودام لفترة طويلة جداً ولديها أبناء وبنات وأحفاد ، وعندما فتحتُ فمي لأعبّر عن استغرابي قاطعتني قائلة: -كله لخير يا بني ، ولكن كما يقولون العشرة لا تهون على أولاد الحلال… قالت هذا وقد سالت على خدها دمعة حاولت حبسها، ثم تابعت: -لقد جئتك اليوم بصفتك محامياً لا بوصفك ابناً –كما اعتبرك– لأعرف منك ما هي حقوقي بعد الطلاق الذي أوقعه عليّ عمّك (أبو سعيد) دون أي سبب وبعد زواج دام كل هذه السنوات الطويلة، وبعد أن أصبح لدينا أحفاداً.
شردتُ قليلاً وأنا أحاول أن أستجمع أفكاري بعد الصدمة التي تلقيتها للتوّ ، ثم التفتُّ إليها قائلاً: -مؤسفٌ ذلك الذي حدث وأخبرتني به الآن. لكن إذا كان الطلاق –كما تفضلتِ وأخبرتني– دون سبب فإنه يعتبر طلاقاً تعسفياً تستحقين مقابله تعويضاً يسمى تعويض الطلاق التعسفي بحسب المادة /117/ من قانون الأحوال الشخصية السوري، إضافة إلى مؤجل المهر المسمى في صك الزواج… هنا قاطعتني وقد أفلتتْ منها ضحكة خافتة: -مهري قدره عشرة آلاف ليرة سورية، عند زواجي قبل خمس وثلاثين سنة تحدثت الناس عن ارتفاع قيمة هذا المهر، أما الآن فإنه لا يساوي شيئاً كما تعلم.
– للأسف يا سيدتي المحكمة لا تحكم سوى بما هو مكتوب من قيمة المهر في صك الزواج بصرف النظر عن تدني قوته الشرائية ( كان هذا طبعاً قبل تعديل القانون لهذه الناحية سنة 2019 ) . -وماذا عن تعويض الطلاق التعسفي الذي تحدثتَ عنه؟
– نعم.. تعويض الطلاق التعسفي تستحقه الزوجة عند قيام الزوج بتطليقها بإرادته المنفردة ودونما سبب مشروع، ولا بد من شروط حتى تحكم به المحكمة الشرعية؟ -وما هي هذه الشروط التي يجب أن تتحقق حتى تحكم لي المحكمة بتعويض عن خراب بيتي وضياع عمري وفناء صحتي بعد خمس وثلاثين سنة زواج؟ -لا بد أن يكون الطلاق بدون سبب مشروع، وأن يتبين للقاضي أنه سيصيب الزوجة بؤسٌ وفاقة نتيجة ذلك، عندها يجوز للقاضي أن يحكم بالتعويض.
-ما المقصود بالشرط الثاني، يعني ما هي الفاقة والبؤس الذي يجب أن يلحقا بي حتى يحكم القاضي لي بالتعويض؟
-يعني أن لا تكوني موظفة ولا يكون لديكِ عملاً تمارسينه يعود عليكِ بالمال، وأن لا يوجد معيلٌ ينفق عليكِ قضاءً أو رضاءً. قاطعتني بعصبية: -كيف يعني قضاءً أو رضاءً؟ -رضاءً يعني من تلقاء ذاته، قضاءً يعني أن تقيمي عليه دعوى نفقة ويحكم القاضي عليه بالإنفاق عليكِ… قاطعتني وقد ازدادت عصبيتها: – أنت تمزح أكيد، يعني بعد زواج خمس وثلاثين سنة القانون يطلب مني أن أطالب أخي بالإنفاق عليّ وإلا فلا أستحق التعويض عن سنين عمري التي ضاعت؟
-للأسف هذا هو نص القانون. -وما قيمة هذا التعويض الذي يجوز للقاضي ولا يجب عليه أن يحكم به إذا تبيّن له إصابتي بالبؤس والفاقة؟ -إن هذا يرتبط بحالة الزوج المالية ، ودرجة تعسفه عند قيامه بالطلاق، على أن لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات للزوجة. -وما هي قيمة النفقة التي تحكم بها المحكمة الشرعية عادة للزوجة؟ -وسطياً تحكم المحكمة بمبلغ حوالي 1500 ليرة شهرياً (حتى في ذلك الوقت كان مبلغاً هزيلاً جداً).
ابتسمت بمرار وقالت: -يعني بحسبة بسيطة مبلغ التعويض لا يتجاوز في حده الأعلى مبلغ 54 ألف ليرة سورية ومع كامل المهر يصبح المبلغ 64 ألف ليرة… اتسعت ابتسامة الحزن على وجهها وسقطت دمعة من عينها وهي تقول لي:
-يعني إذا قسّمنا كامل المبلغ على سنوات الزواج يكون المبلغ هو حوالي 1800 ليرة مقابل كل سنة زواج. أستحلفك بالله هل بعد هذا الظلم ظلم يا بني؟!
.
بسام العطري
محام ومستشار قانوني- سورية