عبد الغني العطري يحاور نزار قباني الذي فتح قلبه للدنيا
العطري يحاور قباني والأخير يفتح قلبه للدنيا
عبد الغني العطري يحاور نزار قباني الذي فتح قلبه للدنيا
قبل سفره إلى مدريد نزار قباني يفتح قلبه للدنيا – ويعلن عن قصيدة لا تسألوني
حاوره: عبد الغني العطري
قلت لنزار قباني على الهاتف: -أصحيح انك مسافر الى مدريد؟
قال:في 26 تموز بالتأكيد.
ولكن هل من المعقول ان تسافر قبل ان نتحدث في الادب في الشعر .. في الحب .. وفي اشياء اخرى.
قال: ليس احب الي من الحديث الى –الدنيا- وقرائها.
قلت: اذا اين نلتقي؟
قال: تفضل.
قلت: لن اتفضل.
قال: اذا أتفضل.
قلت: ولا انت.
قال: اذاً؟
قلت: نتفضل كلانا.
قال: الى اين؟
قلت: الى الفردوس .. الى اشبيليا .. الى الوادي الاخضر .. بين الازهار والرياحين والمياه الدفاقه والخدود المياسة، نتحدث على انغام الموسيقى بهمس وهدوء.
وفي الموعد المحدد كان نزار قباني يقف بقامته الممشوقه، وجبهته المرفوعة، وعينيه الزرقاوين أمام داره في ساحة النجمة.
و ركب الى جانبي في السيارة وانطلقت أقود السيارة برويّة وهدوء في الطريق الى الربوة، وعندما بلغنا -الوادي الاخضر- التفت الي نزار وقال: ما رايك بهذا الوادي؟
فقلت: ولا أجمل من امسياته.
وترجلنا من السياره وصعدنا الدرجات القلائل في طريقنا الى مائدة منعزلة، لا تكاد تصلح الا لعاشقين او خطيبين.
كانت الموسيقى تصدح بهدوء، وصوت فيروز يصل الينا حالماً وادعاً، والنور لا يكاد يجد سبيله الينا، الا خيوطا رفيعة من خلال الورود والاشجار.
قال نزار: أرجو ان لا يكون حسابك معي عسيراً…
قلت: وكيف لا يكون عسيراً وانت مسافر الى مدريد في مهمةً غير محدودة الامد؟
قال باسما كالحالم: على أي حال أنا مستعد.
فطرحت السؤال الاول على الفور:
-من هو الشاعر في نظرك؟
الشاعر في نظري هو ذلك الانسان الذي يختصر حياتنا في كلمة وينقل الينا نفسه بدون كلفة ويشعرنا ونحن نستمع اليه بانه يقول الاشياء التي نريد ان نقولها.
-وما هو تعريفك للشعر؟
الشعر هو نفوسنا وأشواقنا ملحنة، هو تقديم أنفسنا للناس على ارجوحة من نغمة هو حياتنا مكثفة في استدارة فاصلة وتمرد حرف.
الشعر هو الكلمات التي تعيش في بيوتنا و وراء شرفاتنا وستائرنا، وتختبئ في ضفائر حبيباتنا يكسوها الشاعر قميصاً من نغم.
-هل عندنا شعراء بالمعنى الصحيح؟
لا يوجد في رأيي شاعر صحيح وشاعر غير صحيح، فالشعراء المشوهون لا مكان لهم في معبد الشعر والذي أعتقده أننا عرفنا قليلاً من الشعراء وكثيراً من النظامين، عرفنا الابداع في وجوه شعرية تعد على الاصابع.
وعرفنا تجارة الشعر في مئات من الشعراء لم يتركوا على تراب بلادنا سوى هياكل خشبية كجزوع أحطاب المشمش أيام الخريف، قصائد المناسبات قتلتنا وأزكمت أنوفنا وشوهت ملامح أدبنا والشعراء الحقيقيون الذين مروا بنا هم الذين تجردوا من نفعية الكلمة، ولم يستعملوا الشعر بياناً انتخابياً للوصول الى منصب، ولا مرثاةً تُكتب على رخامه قبر، ولا كشكولاً يُطرح على أقدام حاكم أو أمير، شعراؤنا الحقيقيون هم الذين كانت كرامة الكلمة من كراماتهم.
هم الذين غنوا الجمال لوجه الجمال.
واشعل الشاعر الكبير سجارته واخذ يمتص رحيقها بنشوة وينفثه بهدوء، بينما كنت ابحث عن السؤال التالي:
-هل تؤمن بامارة الشعر؟
وتبسم نزار ساخرا وقال: مثل هذه التعابير تثير ضحكي ورثائي فالشعر ليكون شاعراً لا يحتاج الى –فرمان- او
-سند طابو- يحفظ له ممتلكاته واقطاعاته لقد تهدمت أمام المد الاشتراكي الامارات والباشويات، وأصبحت إنسانية الانسان الهوية الوحيدة التي يحملها.
إن الشعر الاوروبي لم يعرف هذه المهازل، فشكسبير شاعر الانكليز الاكبر لم يتوج على عرش الشعر البريطاني، واكتفى بان يكون شكسبير.
أما نحن فان فراغنا و بطالتنا ونزعتنا الى تأليه الأشخاص دفعتنا الى اختراع امارةً للشعر وامارةً للبزق وامارةً للبترول وكلها إمارات ينخر السوس هياكلها المتداعيه.
الشاعر الحقيقي يقدم نفسه الى الناس بدون تيجان، وبدون خيول مطهمة، وبدون جواهر تلتمع على جبينه، وإن شعره هو الجوهرة الحقيقيه التي تتحدى كنوز الدنيا..
-من هم شعراؤك الثلاثة الاوائل؟
عمر ابو ريشة … بدوي الجبل .. سليمان العيسى.
-والشاعرات الثلاث ايضاً؟
لا يوجد.
-هل تؤمن بشيطان الشعر ومن -هي- شيطانتك؟!
أؤمن بشيطانة أنثى لا بشيطان ذكر، ولا اؤمن بشيطانةً واحدةً محدودةُ الملامح، أزلية السمات لا تتغير ولا تتبدل، المرأة التي تثير بي نار الشعر، تحمل ملامح النساء جميعاً وطيبهن جميعاً.
هنا سالته في شيء من الخبث والمراوغة:
-وما هو عدد شيطانات الشعر اللواتي الهمتك؟
احتاج للجواب على هذا السؤال الى سجلات الاحصاء في مديرية الاحوال المدنية…
-ما هي الصفات التي تأسرك في المرأة؟
الأنوثه قبل كل شيء، وبعد كل شيء..
-هل لك أن تحدثنا عن أول حب في حياتك؟
كان حباً اقرب الى حب الأساطير، كنت في السادسة عشرة وكانت في الثامنة عشرة وكانت حواجز السن وحواجز المستوى الاجتماعي تقف جداراً بيننا واقتنعت بأن أمضغ أحلامي وأبتلعها.
كان حباً من جانب واحد وانتهى بي الى نهاية أحبها وأكرهها هي أنها جعلتني شاعراً.
-و اول قبله ماذا كان طعمها في شفتيك؟
القبله الاولى كقبلة الانسان للمرأة لا طعم لها ولا جذور، فهي احتكاك جلدي لا يختلف عن احتكاك اليدين بالمصافحة، القبلة الحقيقية هي القبلة الاخيرة لأني أؤمن بأن التقبيل فن كأي فن من الفنون الصعبة تتطلب الدراية والمران.
-يُقال أنك تعيش الآن في حب جديد فما صحه ذلك؟
السؤال الذي تطرحه طبيعي جداً فالطبيعي لدى فنان أن يعيش في حاله حب دائم والعكس والاستثناء، وحين تسالني اذا كنت أحب الان ام لا، فإنني لا أرى في سؤالك هذا ما اذا كنت تتنفس الان ام لا.
حين يقول لك شاعر معتذراً بانه لا يحب فامسح اسمه من قائمة الشعراء واقرا عليه الفاتحة.
وجرع نزار جرعة صغيرة من الكأس التي كانت بين يديه ونفس سيجارته بهدوء حين فأجاته بهذا السؤال:
-يقال ان قلبك يشبه فندقاً يدخله المسافرون ويخرجون دون أن يتركوا في سجلاته أثراً فما هو دفاعك عن نفسك؟
وافترّ ثغر نزار عن ابتسامةً عريضةً وقال: لا شك انه سؤال جريء حلو لم يسبق لأحد أن طرح عليّ مثله..
ودخل في صميم الجواب حين قال:
اعترف بأن حياه الفنادق تلذ لي فهي حياة متجددة ملونة مثيرة ومن طبيعة الأشياء أن يكون قلب الفنان فندقاً متعدد الصالات.
في صالة تُعزف الموسيقى الشجيه، وفي الأخرى تتناثر مقاعد التدخين المريحة، وفي ثالثة حلبة للرقص، وفي رابعة صاله للقمار.
ونحن نعرف جميعاً أن الناس حين يتعبون من روتين حياتهم المكرورة فانهم يهربون الى الفنادق.
لخير ألف مرة أن يكون قلب الشاعر فندقاً تغمره انوار –النيون- وتضيع فيه وجوه زائريه من أن يكون مستودعاً للمواد الغذائية والعلب المحفوظة ذلك لان طعام العلب المحفوظة عسير الهضم وخالي من الفيتامينات.
-ما هو رأيك بالشعر المنثور؟
الشعر هو الشعر والنثر هو النثر وكل تسميةً يجب ان تبقى محتفظةً بحدودها ولكل كلمةً من الكلمتين مدلول واضح ومحدد فالنثر تعبير مطلق ليس له قواعد مقننة في حين أن الشعر يقوم على أسس لا يمكن أن نتجاهلها لذلك فان إطلاق هذه التسميات كالشعر المنثور والقصيدة النثرية ليست سوى نوعاً من الخلط وتلميع المعاني الحقيقية للكلمات وكما أن الخشب لا يمكن أن يستحيل إلى معدن فإن النثر لا يمكن أن يستحيل شعر بمجرد أن ننفخ عليه.
-كيف تحدد لنا التجديد في الشعر الذي تدعو اليه؟
انا لا اؤمن بوجود قوالب ابدية للشعر، لا يمكن المساس بها فليست القوالب التي تصنع الانسان وانما الانسان هو الذي يصنع قوالبه، كما يصنع الاواني الذي يشرب بها فالشاعر هو حريته، وبامكانه ان يُحدث مئات من القوالب النغمية، يضع فيها مشاعره وافكاره فكما ان الخليل بن احمد استطاع ان ينسق بحور الشعر في ستة عشر بحراً، فان من حق الشاعر الاصيل ان يُحدث اضافات جديدة او يصب اشواقه وافكاره في قوالب نغمية جديدة فالموسيقى الشعريه عالم لا حدود له واعتقد اننا لم نكتشف منه الا الجزء اليسير وهذا يعني ان هناك امكانيات نغمية كثيرة موجودة أمامنا وبامكاننا دوماً أن نكشف معادلات موسيقية لشعرنا تغني تراثنا الشعري القديم وترفده بروائع موسيقية جديدة.
اني لا اعني من هذا نسف القديم، وانما أعني إخراجه إخراجاً موسيقياً جديداً بنفس الطريقة التي نحيي بها أغانينا القديمة لاعادة توزيعها على ألات جديد علمي جديد.
-فيروز ستغني لك اغنيه جديده فما مطلع الاغنيه؟
مطلعها “لا تسالوني” وهي ماخوذه من ديوان -انت لي-.
-يقال انك ربحت كثيرا من شعرك ماده ومعنى فما قولك في ذلك؟
أما عن الربح المعنوي فهو صحيح لأني أستطيع فعلاً أن أكسب جمهوراً من القراء يمتد على أفاق البلاد العربية جميعاً والسر وراء ذلك هو أنني أعطيت قلبي للناس بدون زيف وبدون اقنعة.
أما الربح المادي فهو لا يصل ابداً الى مستوى ربح الفنان الأوروبي والذي ربحته من شعري كان كافياً لكسر اسطوره –الشاعر الشحاذ- فانا اعتبر ان للكلمة كرامة لا تقل عن كرامة أي عمل إنساني أخر وليس عيبا ان يكون للكلمه ثمن فالشاعر يحرق اعصابه وحياته من اجل الناس ومن الانصاف ان نرد له ثمن هذا الزيت الذي يحرقه من اجل سعادتنا.
-هل تستطيع ان تهجو نفسك بسطور او ابيات؟
لا.
-ما هو حلمك الادبي الاكبر؟
أن يصل المستوى الثقافي في البلاد العربية الى حد يكون فيه ديوان الشعر ضرورة كالثلاجة والتلفزيون إن تسعة أعشار البيوت العربية لا تدخلها الكلمة ويوم تستطيع الكلمة المقروءة أن تدخل كل بيت في العالم العربي فستكون نسبة قراء العربية للمؤلفين العرب لا تقل عن نسبه قراء الانكليزية للمؤلفين الانجليز حين نصل الى هذه المرحلة السعيدة من حياتنا الفكرية سيصبح أدبنا عالمياً.
-ما هي مشاريعك للغد؟
لدي مشروع مجموعة شعرية بعنوان -يوميات امراة لا مبالية- وكتاب أخر جمعت فيه كل ما كتبت من نثر.
واخيراً ما هي نصيحتك للشاعر الناشئ؟
نصيحتي اليه اولاً ان يعبد التراث العربي القديم ويحيطه القداسه اذ لابد لكل موهوب من عمود فقري يقيم عليه فنه ..
اما ازدراء التراث واهماله فمعناه إقامته قصراً في الهواء بغير جذور وغير أعمدة.
لا جديد لا يمتص من القديم، والتاريخ شجرة مزروعة في اعماقنا، لابد لنا من ان نستظل بظلالها، والتجديد لا يكون ابداً بهدم التاريخ وجعله اطلالاً، وإنما يكون بتطوير هذا التاريخ تطويراً معقولاً يتلائم مع طبيعة حياتنا المعاصرة.
والنصيحه الثانيه لكل شاعر ناشئ أن يشق طريقه الخاصة وأن لا يكون صدى للأخرين ونسخه عنهم.
ولملمت أوراقي في نشوة وغادرت المقهى مع الشاعر الكبير ..
وبدأ ضجيج الموسيقى وأصوات السامرين يغيب عنا رويداً رويداً.
قصيدة لا تسألوني كما كتبها نزار قباني
لا تسألوني
ما إسمه حبيبي
أخشى عليكم
ضوعة الطيوب
زق العبير
إن كسرتموه
غرقتم
بعاطر سكيب
والله
لو بوحت بأي حرفٍ
تكدس الليلك في الدروب
لا تبحثوا عنه
هنا بصدري
تركته
يجري مع الغروب
ترونه
في ضحكة السواقي
في رفة الفراشة اللعوب
في البحر
في تنفس المراعي
و في غناء كل عندليب
في أدمع الشتاء
حين يبكي
و في عطاء الديمة السكوب
لا تسألوا عن ثغره
فهلا
رأيتم أنااقة المغيب…
ومقلتاه…
شاطئا نقاء
وخصره
تهز هز القضيب
محاسن
لا ضمها كتاب
و لا إدعتها
ريشة الأديب
وصدره .. ونحره
كفاكم
فلن ابوح باسمه
حبيبي…
حوار مع نزار قباني على صفحات مجلة الدنيا 2
حوار مع نزار قباني على صفحات مجلة الدنيا 3
قد يعجبك ايضاً:
عبد الغني العطري يحاور أم كلثوم في دمشق
أم زياد تفتح قلبها للدنيا – حوار بين السيدة فيروز ومجلة الدنيا
حوار شيّق مع السنديانة منى واصف في بداياتها حيث تصدرت صورتها غلاف مجلة الدنيا
محمد عبد الوهاب غنى في حمص بليرة واحدة