أدب وفن ورياضة

في ذكرى رحيل الصبّوحة - رحيل آخر فراشات الزمن الجميل

الصبّوحة رحيل آخر فراشات الزمن الجميل

فبل ثماني سنوات و في ذكرى رحيل الصبّوحة – كتبت هذا المقال:
رحيل آخر فراشات الزمن الجميل

اليوم رحلت  الصبوحة عن صباحاتنا ..
اليوم بكت الأناقة والرهافة ..
وبكى الجمال .. وانحنى الدلال ..
اليوم انتهت أنوثة النبيذ من حياتنا ..
وفرغت كؤوس الدلال من زهورها  وغصونها ..

اليوم رحلت قديسة الحب وأيقونة العشق  وملكة  عرش الأنوثة ..
رحلت صباح وتركت ذكريات دلالها الراقي يبكي فينا حنيناً و أنيناً ..
لأيام  حانيات راقيات أورقت فينا حباً وحناناً وجمالاً ..
اليوم  بكت المواويل ..
وطويت مناسك   العشق عالبساطة ..
وانتهت حكايات الدلع و المجوز و الندامة ..
وغاب بياع التفاح  اللي  بعدو عزابي ..
وراح شتاء العرسان  .. و خلصت أيام اللولو ..

وغابت وعود وعهود ..
بعد أن نأت من عمرها الياسميني عقود  ..
وبعد أن غنت لنا مواويل الضيعة :

” هل الشب اللي سبب لوعتنا .. بايع قلبو طنعشر بيعة ..”

وبعد أن حذرتنا من الحب المتسرع فاعترفت وغنت :

” غلطنا اللي بنظرة حبينا .. ياريت شوية تروينا .. ”

صباح اليوم  كان حزيناً دون الصباح ..
لستُ أدري من أين أبدأ  رثائي   لصباح ..
ومن أين أفتح صناديق الذكريات ..؟
مع سماعي للنبأ  الحزين والتأكد منه
كان شريط ذكريات الإبداع والفن والدلال  والجمال والأنوثة
حاضراً في خاطري ومخيلتي ..
بداية عهد عشقي لها كان منذ  الطفولة المبكرة :

” ع الندا الندا والورد مفتح على خدا .. ”

وكانت أول حفلة مباشرة  حضرتها على مسرح سينما الزهراء
في مثل هذه الأيام وكنتُ  آنذاك في الصف الثامن ..
في حفلة جني القطن وفوز سورية بالمرتبة الرابعة ..
يومها غنت  فأطربت ودوخت وذوبت ..

” يانا يانا  في  حبيبي أموت أنا .. علشانو أموت انا ..”

فكانت قلوبنا الخضراء تنفطر وتذوبُ   وتموت عشقاً لهذه المرأة الإستثناء ..
واذكرُ في تلك السهرة  الملحمية كيف  أنتشت مشاعر  الشباب والصبايا لعتبات الرقص ..  فتدخلت الشرطة لمنعهم ..
لكن الصبوحة توسطت لهم بطيبة قلبها وبساطتها وعفويتها ..
ورجت الشرطة من خشبة المسرح   بترك العالم تسرح وتمرح وترقص وتنبصت ..
فتنحت الشرطة جانباً امتثالاً واحتراماً لرغبة الشحرورة ..
فيما راح جيلنا الصاعد يغني مع الصبوحة ويرقص ويمرح  عشقاً وحباً وسلاماً  حتى مطلع الفجر ..
وكانت حفلة ثانية على مسرح معرض دمشق الدولي  لمسرحية ” ست الكل ”

ليلتها غنت لنا  ” اللي بدو يتجوز يرفع ايدو ” ..

فكانت ترفع الأيادي كافة ..
فتضحك الشحرورة لجمهورها وتقول بدلالها : الهيئة كلكن بدكن تتجوزو ..

وغنت لنا  بدلعها ودلالها وانوثتها  : “يادلع  ادلع وبالحلوين اطلع ..”

فتعلمت الصبايا منها فن الدلال وآيات الجمال ..
صباح ظاهرة  فريدة وكاريزما نادرة صعب أن تُعاد ثانية ..

ظُلمت عند  أعداء النجاح وجلدت عند  من يجهلها ولم يستوعب ظاهرتها من الحاقدين والحاسدين ..
وقرأت  بتحامل وغيرة من المحدودين  والمتعصبين والمحبطين ..
طيبة وكريمة هي  ونبيلة ورقيقة وبسيطة ..
معطاءة ودودة متسامية مترفعة ..
قد بنت مجدها من نقطة  دون الصفر ..
وانتهت وهي في القمم والأعالي  ..

الكبار لايموتون ..
هم يرحلون عن دنيانا جسداً ..
لتبقى ابداعاتهم خالدة ..
هنيئاً لك أيتها الشمس الساطعة لصباحات أيامنا  بما انجزت ِ وحققت ِ من فن ومجد وتميز وحضور ..

لك ِ الرحمة والسلام ..
ولك ِالمجد في ملكوت السماء ..
والخلود لروحك والبقاء والبهاء في دنيا  الفناء ..

سامر العطري

الفنانة صباح وعبد الغني العطري سنة 1956 في بلودان بحفل تكريم اقامه على شرفها
الفنانة صباح وعبد الغني العطري سنة 1956 في بلودان بحفل تكريم اقامه على شرفها
زر الذهاب إلى الأعلى