لماذا تُثير سَمَكة المجداف (Oarfish) النادرة القلق؟
لماذا تُثير سَمَكة المجداف (Oarfish) النادرة القلق؟

لماذا تُثير سَمَكة المجداف (Oarfish) النادرة القلق؟

د. مصطفى كريدلي
رسول الكوارث
الخبر المُتعلق بهذه السمكة:
أثار ظهور مَخلوق غامض وأسطوري تقريبًا على الساحل الغربي لجزيرة تسمانيا، جنوب شرق البر الرئيسي لأستراليا يوم أمس 04.06.2025، مشاعر القلق والرهبة والتكهنات حول نُذُر شؤم، مع تداول صوره على نطاق واسع عبر الإنترنت.
فقد تم العثور على (سمكة المجداف) النادرة للغاية، والتي يبلغ طولها حوالي 2.7 متر، على شاطئ (أوشن بيتش–Ocean Beach) في جزيرة (تسمانيا – Tasmania) يوم الإثنين من قبل سيدة تدعى: (سيبيل روبرتسون)، والتي كانت تتنزه مع كلبها على ذلك الشاطئ.
ويُعرف هذا المخلوق البحري الغريب باسم: (رسول الكارثة)، وغالبًا ما يُعتبر نذيرًا للكوارث الطبيعية عندما يظهر قرب سطح الماء أو يُجرف إلى الشاطئ، بعيدًا عن موطنه الطبيعي في أعماق المحيط وقد وصفت السيدة (روبرتسون) تجربتها قائلة: (كان الأمر مُرعبًا. كنت أعلم ببساطة أنه شيء غير عادي وغريب).
ورغم أنها لم تكن تدرك في البداية مَدى نُدرة هذه السمكة، لكنها أدركت ذلك بعد أن نشرت صورًا لها في مجموعة مَحلية على فيسبوك، حيث ظهر الكائن الفضي الضخم وهو ممددًا على الرمال.
وقد أُعيد نشر الصور على موقع Reddit وأصبحت سريعة الانتشار، ما أثار سيلًا من التعليقات والربط بالأساطير اليابانية التي تعتبر سمكة المجداف نذيرًا لأحداث كارثية.
وكتب أحد المستخدمين: (المُحيط غاضب جدًا من ازدراء البشرية له) كما وعلّق آخر قائلاً: (في الآونة الأخيرة، رأينا عددًا لا بأس به من هذه الأسماك ‘أسماك يوم القيامة‘) وأضاف ثالث: (العالم يبدو وكأنه يقترب من نهايته بوتيرة أسرع في الآونة الأخيرة).
مصدر الخبر: (msn.news.gr)
تعريف بسمكة المجداف الغامضة:
(لغز أعماق البحار)
تُعرف سمكة المجداف بالاسم العلمي:Regalecus glesne)) والتي يُطلق عليها أيضًا اسم (ملك الرنجة – king of herrings)، بأنها واحدة من أكثر الكائنات البحرية غموضًا وإثارة للدهشة. وتُعد من أطول الأسماك العظمية في العالم، حيث تم تسجيل أطوال مؤكدة تصل إلى 11 مترًا وهناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأنها قد تنمو لأطوال أطول من ذلك. وتتميز هذه السمكة بجسمها الشريطي النحيف، والذي غالبًا لا يزيد عرضها عن 30 سنتيمترًا )، وقد يصل وزنها إلى 270 كيلوجرامًويغطي جسمها لون فضي لامع بألوان قزحية، ويعلوه زعنفة ظهرية حمراء طويلة تمتد على طول الظهر، وزعانف حوضية طويلة تشبه المجاديف، وهو ما منحها اسمها.
الموطن والبيئة
تعيش سمكة المجداف في جميع المحيطات ذات المناخات المُعتدلة إلى الاستوائية، ما عدا المناطق القطبية. وقد تم رصدها أو اصطيادها في المحيطات الأطلسي والهادئ والهندي، وكذلك في البحر الأبيض المتوسط وعلى الرغم من هذا الانتشار الواسع، إلا أن مواجهتها نادرة جداً نظرًا لعيشها في أعماق البحر.
تسكن هذه السمكة عادة في المناطق الوسطى إلى العميقة من المحيط، وتحديدًا على أعماق تتراوح بين 200 متر إلى أكثر من 1000 مترتحت سطح البحر. لكنها قد تطفو أحيانًا إلى السطح، خاصة عندما تكون مريضة أو تحتضر، مما يزيد من الغموض والأساطير المحيطة بها.
تتغذى سمكة المجداف بشكل رئيسي على العوالق الحيوانية، (أنواع منالكريل)، والقشريات الصغيرة، ويرقات الأسماك. وهي من الأسماك التي ترشح الطعام، حيث تقوم بفلترة الكائنات الدقيقة من الماء عبر خياشيمها.
تفسيرات علمية:
العوالق الحيوانية (Zooplankton):
العوالق الحيوانية هي كائنات حيوانية صغيرة جدًا، وغالبًا ما تكون مجهرية، تنجرف في المياه. تشمل القشريات الصغيرة ويرقات الحيوانات المائية، وتُعد جزءًا أساسيًا من السلاسل الغذائية المائية، حيث تُشكل مصدرًا غذائيًا مهمًا للأسماك والكائنات البحرية الأخرى.
الكريل (Euphausiids):
الكريل هو نوع من القشريات البحرية الصغيرة التي تشبه (الروبيان)، وينتمي إلى مجموعة (اليوفاوسيات )وينتشر بشكل كبير في المياه الباردة، كما ويُعد غذاءً رئيسيًا للحيتان والفقمات والبطاريق والأسماك. إضافة الى مساهمته في دورة الكربون في المحيطات.
القشريات (Crustaceans):
القشريات هي مجموعة متنوعة من المفصليات، تشمل السرطانات، والجمبري، واللوبستر، والبرنقيل. تتميز بأجسامها المفصّلة وأصدافها الصلبة وأطرافها ذات المفاصل، وتعيش في البيئات البحرية والعذبة وحتى البرية. وهي ذات أهمية بيئية واقتصادية كبيرة
هل تُعتبر سمكة المجداف خطرة على البشر؟
بالرغم من حجمها الضخم ومظهرها الغريب، فإن سمكة المجداف غير ضارة على الإطلاق للبشر. فهي لا تملك أسنانًا حادة ولا سلوكًا هجوميًا، وتُعرف بطبعها الهادئ وحركتها البطيئة.
ويُعزى ندرة رؤيتها على سطح البحر إلى طبيعتها ككائن يقطن في أعماق البحار وعندما تظهر على السطح، يكون ذلك غالبًا نتيجة مرض أو اضطراب، مما يجعل من ظهورها المفاجئ أمرًا مروعًا أو مثيرًا للدهشة.
علاقة سمكة المجداف بالأساطير والكوارث الطبيعية:
لطالما ارتبطت سمكة المجداف بالأساطير والمعتقدات الشعبية عند العديد من شعوب شرق اسيا،وبشكل خاص في اليابان. ففي الفولكلور الياباني، تُعرف هذه السمكة باسم (رسول قصر إله البحر)أو كما يلقبونه اليابانيون ب:(Ryugu no tsukai)ويُعتقد تقليديًا أن ظهور سمكة المجداف قرب الشواطئ يُعد نذير شؤم، يُنذر بوقوع زلزال أو تسونامي وشيك.
سمكة المجداف والكوارث الطبيعية:
ترتبط معتقدات شعوب شرق اسيا عن ظهور هذه النوع من الأسماك بكوارث طبيعية وحوادث واقعية رُصدت فيها هذه السمكة قبل وقوع تلكالكوارث ومن أبرز الأمثلة هي الاتي:
- بتاريخ: 22 أيار- مايو عام 1960 ظهرت بضعة اسماك من سمك المجداف على السواحل الجنوبية لدولة تشيلي قبل حدوث ذلك الزلزال المدمر والذي عُرف باسم زلزال (فالديفيا) العظيم وهو أقوى زلزال سُجل في التاريخ، حيث بلغت قوته 5 درجات. على مقياس ريختر وتسبب في مقتل ما بين 1,000 إلى 6,000 شخص، وشرد ملايين السكان، وأدى إلى تسونامي اجتاح مناطق عبر المحيط الهادئ، وصولًا إلى اليابان وهاواي.
- بتاريخ: 11 آذار – مارس 2011 تكررت ظاهرة ظهور سمك المجداف قبالة الساحل الشمالي لجزيرة (هونشو) اليابانية قبل حدوث الزلزال العنيف والذي عُرف باسم زلزال وتسونامي (توهوكو) حيث بلغت قوته 5 درجات على مقياس ريختر وتسبب في حدوث تسونامي هائل، حيث بلغ ارتفاع الأمواج في بعض المناطق أكثر من 40 مترًا وأسفر عن مقتل أكثر من (15.000 شخص) ودمار واسع أدى كارثة نووية في محطة (فوكوشيما النووية) وقد بلغت الخسائر الاقتصادية أكثر من 200 مليار دولار.
ورغم أن هذه الحوادث تثير تساؤلات كثيرة، إلا أنه لا يوجد دليل علمي يؤكد وجود علاقة سببية بين ظهور سمكة المجداف وحدوث الزلازل. ويرى علماء الأحياء البحرية أن هذه الحالات ترجع غالبًا إلى تغيرات في الظروف المُحيطية أو مرض الكائن نفسه، وليس لقدرتها على التنبؤ بتلك الكوارث. ومع ذلك، تبقى هذه المعتقدات مُتجذرة في ثقافات دول شرق اسيا، وتعكس مدى تأثير الطبيعة الغامضة لهذه السمكة على خيال تلك الشعوب.
الخاتمة:
تبقى سمكة المجداف واحدة من أكثر كائنات المُحيط إثارة وغموضًا. فهي نادرة الظهور، مجهولة السلوك، ومحاطة بالأساطير فلقد منحها حجمها الهائل ومظهرها الغريب مكانة خاصة في خيال الشعوب الساحلية لشرق اسيا على وجه الخصوص، والتي ربطتها بالكوارث والأقدار ولكن من الناحية العلمية، فهي مجرد كائن مُسالم يعيش في أعماق البحر، يفتح لنا نافذة على عالم ما زلنا نجهل الكثير عنه. وقد يسهم المزيد من البحث في فهم هذه المخلوقات وفك ألغاز الأنظمة البيئية العميقة التي تنتمي إليها.
بقلم: الكابتن البحري ورُبان أعالي بِحار
مصطفى كريدلي
أثينا في 5 حزيران – يونيو 2025
المصادر:
- Roberts, John. The Deep: The Extraordinary Creatures of the Abyss. University of Chicago Press, 2007.
- Smith, M. M., & Heemstra, P. C. Smiths’ Sea Fishes. Springer-Verlag, 2012.
- National Oceanic and Atmospheric Administration (NOAA) – Oarfish profiles and ocean zone data. https://oceanservice.noaa.gov
- Nakaya, Kazuhiro. “Oarfish and Earthquakes.” Marine Biology Journal of Japan, vol. 48, no. 3, 2012.
- Lindsay, Dhugal. “Deep Pelagic Fauna of Japan.” Journal of Ocean Science, 2011.
- Marine Biodiversity Records – Regalecus glesne sighting records. Cambridge University Press.
- Fishes of the World, 5th Edition by Joseph S. Nelson. Wiley, 2016.
- Japanese Folklore and Marine Superstitions by Noriko T. Reider. University of Hawai’i Press, 2010.
- Seismological Research Letters – “Marine Life and Earthquake Prediction: Fact or Folklore?” (2015).
- Oceanographic Data Centre – UNESCO Intergovernmental Oceanographic Commission (IOC). https://ioc.unesco.org