لماذا تُقاس سرعة السفن بالعُقَد البحرية (Knots)؟

لماذا تُقاس سرعة السفن بالعُقَد البحرية (Knots)؟

 

استخدام مصطلح “العُقْدَة” لقياس سرعة السفن له جذور في التاريخ البحري، ويعود إلى قرون مضت عندما احتاج البحارة إلى طرق موثوقة لتقدير سرعتهم أثناء الإبحار في البحار المفتوحة. يستكشف هذا المقال أصول هذا المصطلح واختراعه وتطوره التاريخي ودقته، ويوفر فهمًا شاملاً لأهميته في الملاحة البحرية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أصول العُقْدَة:
مصطلح “العُقْدَة” مشتق من الطريقة التي استخدمها البحارة لقياس سرعتهم باستخدام جهاز يسمى “سجل الرقائق”. ظهر هذا الجهاز خلال عصر الاستكشاف، حوالي أواخر القرن السادس عشر إلى أوائل القرن السابع عشر، كأداة ملاحة أساسية. اعتمد البحارة بشكل كبير على تقدير سرعة سفنهم لحساب المسافات المقطوعة، مما مكنهم من تحديد مواقعهم التقريبية في البحر.

 

اختراع وتطور العُقْدَة تاريخيًا:
يتألف سجل الرقائق من لوح خشبي مثلث الشكل، مثبت على أحد جوانبه لضمان أن يطفو بشكل رأسي في الماء حيث كان هذا اللوح متصلًا بحبل طويل به عُقَد متباعدة بانتظام على طولهوالى جانب هذا اللوح كان يتم استخدام ساعة رملية، غالبًا ما تكون مضبوطة على 28 ثانية، لتوقيت عمليةقياس سرعة السفينة وقد كان البحارة يلقون هذا اللوح الخشبي في الماء ويدعون الحبل المربوط به ينزلق الى البحر خلال مدة الساعة الرملية ثم كانوا يَعدون عدد العُقَد التي انزلقت الى البحر خلال هذه الفترةالزمنية حيث كان يمثل عدد العُقَد المُنزلقة الى البحر سرعة السفينة بالأميال البحرية في الساعة، والتي أصبحت تُعرف بـ “العُقَد”.

يُنسب اختراع سجل الرقائق غالبًا إلى البحارة الأوروبيين الأوائل، رغم أن مُخترع هذه الطريقة على وجه الدقة غير معروف لكن من الواضح أن هذا الأسلوب كان مُستخدمًا على نطاق واسع من قبل البحارة في مختلف الدول البحرية، بما في ذلك إسبانيا والبرتغال وإنجلترا، في أواخر القرن الخامس عشر وبحلول القرن السابع عشر. أصبحت هذه الطريقة معيارية لتقدير السرعة وظلت مستخدمة لقرون حتى تطورت تقنيات القياس وأصبحت أكثر تقدمًا.

العلاقة بين العُقْدَة والأميال البحرية:
تُعرف العُقْدَة بأنها ميل بحري واحد في الساعة ويستند الميل البحري في حسابة إلى محيط الأرض ويتوافق مع دقيقة واحدة من خطوط العرض، أو 1852 مترًا فلقد كان هذا النظام مُفيدًا بشكل خاص في المِلاحة البَحرية لأنه يتماشى مع نِظام الإحداثيات الجغرافية للأرض، مِما يجعل من السهل حِساب المسافات والمَواقع على الكرة الأرضية.

وبالتالي، فإن العُقْدَة الواحدة تعادل 1852 مترًا في الساعة. كان هذا النظام ليس فقط عمليًا ولكنه أيضًا دقيق نسبيًا بالنسبة لتلك الحقبة من الزمن نظرًا للقيود التي كانت مُتاحة للأدوات المُستخدمة من قبل البحارة الأوائل.

دقة وحدود طريقة سجل الرقائق:
رغم أن سجل الرقائق كان ابتكارًا ذكيًا في عصره، إلا أنه لم يكن خاليًا من العيوب والعوامل التي كانت من الممكن أن تؤثر على دقته مثل:

1. الخطأ البشري: كان عد العُقَد وإدارة الساعة الرملية يتطلبان دقة متناهية وانتباه شديد، وذلك لأنه قد تحدث أخطاء، في عد العقد او الزمن خاصة في البحار الهائجة.
2. التيارات البحرية:لم تأخذ هذه الطريقة في حساب السرعة في الاعتبار تأثير تيارات المياه، والتي تؤثر على سرعة السفينة مما قد يشوه قياسات السرعة.
3. تمدد الحبل: مع مرور الوقت، قد يتمدد الحبل أو قد تسوء حالته وجودته، مما يؤدي إلى عدم دقة المسافات بين العُقَد.
4. ظروف الرياح: يمكن أن تختلف مقاومة الرياح على اللوح الخشبي، وهذا بدوره يؤثر بشكل إضافي على دقة النتائج.

رغم هذه القيود، قدم سجل الرقائق للبحارة طريقة مُتسقة نسبيًا لتقدير السُرعة وبالتالي لتحديد موقعهم وتقدمهم أثناء الرحلات البحرية.

تطور قياس السرعة البحرية:
ظل سجل الرقائق ومفهوم العُقْدَة مستخدمين حتى القرن التاسع عشر. بحلول ذلك الوقت، قدمت التطورات التكنولوجية أنظمة قياس ميكانيكية ولاحقًا إلكترونية، مثل سجل براءة الاختراع وسجل دوبلر، والتي قدمت قياسات أكثر دقة للسرعة لكن ومع ذلك، ظل مُصطلح “العُقْدَة” مِعيارًا لقياس السرعة في الملاحة البحرية والجوية.

من أول من استخدم العُقْدَة؟
يُنسب الاستخدام الأول لسجل الرقائق والعُقْدَة إلى البحارة الأوروبيين خلال عصر الاستكشافات البحرية حيث كان البحارة البرتغاليون والإسبان، الرواد في السفر البحري لمسافات طويلة كما كانوا من بين الأوائل الذين تبنوا هذه الطريقة في حساب سرعة السفينة ولكن بحلول القرن السابع عشر، كان البحارة الإنجليز قد قاموا بتحسين هذه التقنية وتوحيدها، مما ساهم في استخدامها على نطاق واسع في الملاحة العالمية.

هل كانت العُقْدَة مقياسًا دقيقًا؟
بالنسبة لعصرها، وفرت العُقْدَة تقديرًا دقيقًا إلى حد كافٍ للسرعة. سمحت للبحارة بإجراء حسابات ملاحية حاسمة وحسنت من أمان وكفاءة السفر البحري. بينما تفوقت الأدوات الحديثة على سجل الرقائق من حيث الدقة في الحساب وتوفير الجُهد والوقت في معرفة قياسات السرعة ، ومع ذلك لا يزال المبدأ الأساسي لقياس السرعة بالعُقَد شاهدًا على براعة واحتراف البحارة الأوائل.

الخاتمة:
تُعتبر العُقْدَة، كوحدة قياس للسرعة، رمزًا للدمج بين الضرورة العملية والابتكار الملاحي. من أصولها مع سجل الرقائق إلى استخدامها المستمر في السياقات البحرية والجوية الحديثة، لعبت العُقْدَة دورًا محوريًا في تاريخ الاستكشاف والملاحة. ورغم أن أساليب القياس قد تطورت، إلا أن مصطلح “العُقْدَة” يواصل الربط بين الملاحين المعاصرين وأسلافهم البحريين.

(هذا المقال واللوحات المرفقة معه هو فقرة من كتابي بعنوان (مُدَونات رُبان أعالي بِحار) وقد تم نشره في الصحيفة الالكترونية السورية (الدنيا) وكذلك بمجلة اتحاد قادة ربابنة أعالي البحار اليوناني ( اكسانداس) ).

بقلم: الكابتن البحري ورُبان أعالي بِحار مصطفى كريدلي
أثينا: 01 كانون الثاني 2025

المراجع

1. Britannica, “Knot (Measurement),” com
2. Historic Naval Fiction, “Chip Log: The Original Speedometer,” historicnavalfiction.com
3. Royal Museums Greenwich, “Nautical Measurement: Understanding Knots,” rmg.co.uk
4. NOAA Ocean Service, “Nautical Miles and Knots Explained,” oceanservice.noaa.gov
5. ScienceDirect, “Maritime Speed Measurement Techniques,” com
6. S. Naval Academy, “Historical Methods of Determining Ship Speed,” usna.edu
7. The Northern Mariner, “The Chip Log and Its Role in Navigation,” cnrs-scrn.org
8. NOAA Nautical Charts, “Nautical Miles and Knots: A Historical Overview,” nauticalcharts.noaa.gov
9. JSTOR, “The Development of Maritime Speed Measurement,” jstor.org
10. Marine Insight, “Understanding Nautical Measurements,” marineinsight.com