أدب وفن ورياضةاخبار الدنيا

من دمشق إلى روما: كيف استبدل الناس الحكام

من دمشق إلى روما: كيف استبدل الناس الحكام

من دمشق إلى روما: كيف استبدل الناس الحكام

خاص الدنيا
في مراحل التاريخ المضطربة، وخاصة في فترات التغير السياسي السريع، تظهر لنا صور من الواقع البشري تعكس كيف يتعامل الناس مع هذه المتغيرات بذكاء أو حتى سذاجة.
واحدة من هذه الصور الطريفة ما حدث في سورية بعد انقلاب حسني الزعيم، حيث دخلت البلاد في سلسلة متتالية من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكام الواحد تلو الآخر.

في تلك الفترة تحديداً، شهدت “تجارة صور الرؤساء” ازدهاراً غير معتاد، فقد كان التجار السوريون يغيرون صور القادة الجدد بسرعة فائقة بمجرد سماعهم البيان رقم واحد، وكانوا يستبدلون الصور في الإطارات دون أن يكلفوا أنفهسم شراء إطارات جديدة عند كل انقلاب، حيث كانت الصورة القديمة تُنزع وتوضع مكانها صورة الرئيس الجديد.
إنه المضحك المُبكي، شيء كوميدي إلى حدٍ ما، ومحزن.

لكن الأغرب من ذلك أن هذا الابتكار لم يكن حكراً على السوريين في القرن العشرين، بل كان الرومان القدماء قد سبقوهم إليه بطريقة مختلفة.
في روما القديمة، وخاصة خلال فترات الاضطراب السياسي والصراعات على السلطة، كان النحاتون يقومون بتصميم تماثيل للإمبراطورين برؤوس قابلة للاستبدال.
كانت الفكرة ببساطة أن يتم استخدام نفس الجسد النحتي، الذي يمثل القوة والجلال الإمبراطوري، ويتم فقط تبديل الرأس ليُظهر الإمبراطور الجديد بدلاً من القديم، خاصة إذا كان الأخير قد أطيح أو قُتل أو فقد شرعيته.

هذه الممارسة لم تكن مجرد توفير في الجهد أو المال، بل كانت لها دلالات سياسية عميقة، فهي تعبير عن استمرارية الدولة رغم تغيّر الحكام، كما أنها طريقة لإعادة كتابة التاريخ البصري بسرعة، ومحو أثر الحاكم السابق من الذاكرة العامة، وفرض الحضور البصري للحاكم الجديد.

فبين تجار دمشق الذين كانوا يستبدلون الصور في الإطارات، والنحاتين في روما الذين كانوا يستبدلون الرؤوس فوق الأجسام الرخامية، نرى كيف يعيد البشر دائماً اختراع طرق خلاقة للتكيف مع التغيير السياسي، سواء بالاقتصاد في الأموال أو بتقليم الماضي ليتناسب مع الحاضر.

زر الذهاب إلى الأعلى