
ملخص كتاب لعبة الإعلام نعوم تشومسكي
خاص الدنيا
في كتابه “لعبة الإعلام” ، يعرض الفيلسوف واللغوي الأمريكي نعوم تشومسكي فكرة جريئة ومهمة عن الدور الحقيقي الذي تلعبه وسائل الإعلام في المجتمعات الحديثة، خاصة في الديمقراطيات الغربية. لا ينظر تشومسكي إلى الإعلام كوسيلة لتوصيل الحقائق فحسب، بل كآلة قوية تستخدمها النخب الحاكمة – السياسية والاقتصادية – لتشكيل وعي الجماهير وتوجيه آرائها بما يخدم مصالحها.
يشير تشومسكي إلى أن الإعلام ليس حراً كما يبدو، بل هو نظام خاضع لسيطرة عدد قليل من الشركات الكبرى، وهي شركات مرتبطة بمصالح اقتصادية وسياسية ضيقة. هذا يعني أن الأخبار ليست مجرد انعكاس لما يحدث على أرض الواقع، بل هي منتج يتم تصميمه بعناية، مثل أي سلعة أخرى، لكن ما يُباع هنا ليس سلعة مادية، بل الرأي العام.
ويشرح تشومسكي كيف يتم ذلك من خلال ما يسميه “نظام التحكم”، وهو نظام يتكون من عدة آليات تعمل معاً لضمان أن يبقى الخطاب الإعلامي ضمن حدود معينة لا تهدد النظام القائم. هذه الآليات تشمل: توجيه المواضيع، اختيار المصادر، استخدام اللغة والإطار اللغوي، وحتى تجاهل بعض القضايا تماماً.
فمثلاً، إذا كان هناك حدث خطير يضر بصورة دولة غربية، فإن الإعلام قد يتجاهله أو يقلل من شأنه، بينما يسلط الضوء بشكل مفرط على أخطاء صغيرة ترتكبها دول أخرى. هكذا يتم تشكيل صورة مشوَّهة للواقع، تخدم مصالح من يمسكون زمام السلطة.
ويرى تشومسكي أن الهدف من هذه اللعبة ليس بالضرورة الكذب الصريح، بل تقديم نصف الحقيقة بطريقة تجعل الناس يصدقون رواية واحدة فقط، دون أن يشعروا بأنهم مخدوعون. وهذا النوع من التلاعب يكون أكثر فعالية لأنه لا يعتمد على القمع أو العنف، بل على إقناع الناس بأنهم يعيشون في مجتمع حر وديمقراطي، بينما الواقع مختلف تماماً.
ويضيف تشومسكي أن التعليم والثقافة السائدة تلعبان دوراً كبيراً في تعزيز هذا النظام، حيث يتم تدريب الناس منذ الصغر على الطاعة السلبية وعدم التشكيك فيما يُقال، وخاصة فيما يتعلق بالقرارات السياسية الكبرى أو السياسات الاقتصادية.
لكن الأمل، برأي تشومسكي، لا يزال موجوداً. فهو يرى أن زيادة الوعي بهذا الواقع، وتنمية الروح النقدية بين الناس، يمكن أن تكون بداية للتغيير. عندما يبدأ المواطن العادي في طرح الأسئلة الصعبة: من يمول هذا الإعلام؟ من يستفيد من هذا الخبر؟ لماذا تم التركيز على هذا الجانب وليس غيره؟ هنا تبدأ اللعبة في التفكك، وتظهر الثغرات في هذا النظام.
ويؤكد تشومسكي أن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن توجد بدون إعلام حر ومستقل حقاً، وليس إعلاماً تحت سيطرة الشركات والحكومات. فالشعب لا يمكنه الحكم بشكل صحيح إن لم يكن لديه المعلومات الكاملة والحرة.
في النهاية، كتاب “لعبة الإعلام” ليس مجرد نقد للإعلام، بل هو دعوة صارخة للتفكير الحر والنقد الذاتي، ولعدم الاستسلام للرؤية الواحدة التي تقدمها وسائل الإعلام. هو دعوة لرفع الغطاء عن لعبة كبيرة تُلعب خلف الكواليس، ولإعادة النظر في الطريقة التي نستهلك بها الأخبار يومياً.