أدب وفن ورياضة

ضياع معايير الذوق

ضياع معايير الذوق

ضياع معايير الذوق
من الظواهر المؤسفة حقاً والصادمة التي آلت إليها نسبة كبيرة من الناس في مجتمعاتنا العربية عامة ذاك الإنحدار الواضح في معايير الذوق لديهم . وقد طال هذا التراجع مقاييس الأناقة والقيافة والفن والموسيقى، حتى أن معايير الجمال لم تسلم من هذا الإنحدار المرعب.
في الوقت الذي وعينا فيه على المقاييس الراقية حقاً والمتميزة بالأناقة تبدأ من تسريحة الشعر لتطال كل قطعة نختارها بعناية من القميص وأزراره إلى ساعة اليد والبلاك وربطة العنق واكسسواراتها، مروراً بانسجام الألوان وتناغمها مع البدلة وتدقيقاً عند الجوارب والحذاء، كأحد مقاييس الأناقة سواء عند الرجل أو المرأة .. ناهيكم عن العطور .. فعطر الصباح غير عطر فترة الغداء وعطر المساء والليالي الحلوة غير هذا وذاك ..
اليوم تتراجع، من أسف، كل المظاهر الراقية هذه لحساب مظاهر فوضى الذوق والحواس .. فنرى أحدهم يرتدي جاكيت مخمل وربطة عنق ومعهما بنطال جينز كاحت وممزق!!!
فأي تناقض صارخ وأي زواج مستحيل هذا وتناغم بين المخمل والجينز الكاحت!!!!
وفي الوقت الذي تظهر علينا سيدة بأجمل التسريحات و الإكسسوارات نراها ترتدي جينز ممزق يناقض جمالها وحسن ذائقتها ..
كل ذلك وغيره لاشك يندرج بمظاهر التلوث البصري ..
أما في الموسيقى فحدث و لا حرج عن الزعيق والطبل والزمر والإيقاع العدواني الذي يتنافى مع كل مقاييس الذوق وينسف الشعور ويعطل الإحساس المرهف ويضرب الأذن الوسطى والصغرى والدماغ نفسه .. ناهيكم، عن الكلام الرخيص، والعبارات السوقية، التي تهبط بقيمة الحب، وتحط من مكانة المرأة والرجل، وتقوض مساحة الرومانسية في العشق والشوق والتوق.
وهو مما أسميه مظاهر التلوث السمعي التي لاتليق إلا بالخانات وعلب الليل الرخيصة …
وأخيراً وليس آخراً الهدايا بين العشاق … فقبل فترة تثنى لي تلبية دعوة أحدهم على حفل عيد ميلاد حبيبته، فكانت الحفلة خاصة جداً اقتصرت على الأحبة والأهل والأصدقاء المقربين بترتيبات للحق أنيقة و متميزة ..
فماذا كانت هدية العاشق الولهان للحبيبة؟
لقد كانت الهدية أيها السيدات والسادة ” هامستر “!!، “نوصع أبيض وصغير من الفئران” ضمن قفص!! ..
والأنكى أن الهدية لاقت فرح المحتفى بها وحسد صديقاتها، فأخرجته من القفص الذهبي وراحت تحتضنه وتقبله وتداعبه وتناغيه، ونحن نراقب بدهشة ونداري ابتساماتنا ..
هنا طاب لأحد الأحبة أن يهمس لي مداعباً بقوله:
اخبرني ياخبير الإتيكيت والبروتوكول كيف بدك تقنعنا بهذا الإتيكيت البدعة من هدايا الهامستر والقوارض بين العشاق وأهل الهوى؟
قلت له وأنا مازلت اضبط ضحكة عالية كادت تفلت مني:
ياخوفي مع الوقت القادم تصبح هدايا العشاق ” حرباية وضفدعة ” أو ” صرصار حبنا ” …
.
أفهم أن أهدي حبيبتي عصفورين عاشق ومعشوق أو ” بغبغاء ” ذكي أدربه على أن يقول لها نيابة عني كل خمس دقائق : ” بحبك .. بعشقك .. بموت فيك ِ ” .. أو سمكة حمراء في حوض أنيق ، أو قطة سيامية أو كلبة لطيفة .. أما ان أهديها هامستر … !!!! مش عم تزبط معي …
يعني مين اللي غلط أو على حد رأي فناننا العظيم ” دريد لحام “:
وين الغلط؟؟
هل مضت حقبة الذوق والرهافة والأناقة وأصبحنا في حقبة اللاذوق واللا أناقة واللا فن ؟
أم تراه زمن الغرائب زمن اللامعقول واللا مقبول؟
د. سامر العطري
زر الذهاب إلى الأعلى