شؤون قانونية
أخر الأخبار

كيدُ امرأة

كيدُ امرأة

كيدُ امرأة

المحامي بسام العطري
المحامي بسام العطري

خاص الدنيا
من جماليات مهنة المحاماة أنها مهنة فكرية تراكمية ، بمعنى أنها تقوم في جزء هام منها بالارتكاز على الخبرة التي تراكمت على مر السنوات لدى المحامي ، وتلك الخبرة بدورها في جزء منها مُكتَسَبة ممن سبقوه من كبار المحامين والأساتذة الذين تركوا بصمة مميزة لهم في عالم المحاماة لنباهتهم وبراعتهم وسرعة بديهتهم ، لذلك كنتُ منذ انخراطي بهذه المهنة أتابع باهتمام بالغ مآثر الجيل الذي سبقني على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وأقطارهم ، وكان من أكثر الذين أعجبت بمهنيتهم الأستاذ المصري الكبير مكرم عبيد ( 1889 – 1961 ) .

من مآثر الأستاذ مكرم عبيد التي تناقلتها أجيال المحامين قضية صادف فيها الأستاذ مكرم موقفاً بالغ الصعوبة ، إذ ادعت سيدة على أحد موكليه بأنه قام بالاعتداء عليها واغتصبها كرهاً .

وكانت إحدى النقاط الإشكالية الهامة التي توقف عندها الاستاذ مكرم أن دفاعه عن موكله يجب أن يكون دقيقاً للغاية ، لأنه من الممكن جداً أن يتعرّض هو شخصياً في معرض دفاعه عن موكله إلى ما قد تراه النيابة العامة ارتكاباً لجرم القذف بمواجهة المدعية ، إذا أثار نقطة أن المواقعة ( العلاقة الجنسية ) كانت بكامل إرادة المدعية ورضاها ، وليس إكراهاً ولا اغتصاباً من قبل موكله كما تدّعي ، وإطلاق مثل هذا الكلام لا يمكن أن يكون على عواهنه ، بل لا بد من دليل يثبت ذلك ، ولكن كيف والواقعة تمت بين اثنين لا ثالث لهما ؟ … خصوصاً وأن موقف النيابة العامة كان يتجه إلى عدم تصديق المتهم وأحالته إلى محكمة الجنايات بتلك التهمة الخطيرة التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ، إذ ليس معقولاً – من وجهة نظر النيابة العامة – أن تنزلق المدعية إلى هذا الادعاء ما يصاحبه من المساس بسمعتها .

أراد الأستاذ مكرم أن يتجنب الوقوع في شرك جريمة القذف الذي يتهدده شخصياً ، فبنى دفاعه بغير دليل على رضا المدعية ، وهنا تجلّت ألمعيته وسرعة بديهته ، حيث فاجأ الأستاذ مكرم المدعية وهيئة المحكمة بطلب غريب استهل به حديثه ، فطالب المدعية بتعويض عما أتلفته من الفراش بصعودها إليه مرتدية حذاءها ، ومع المفاجأة انفلت لسان المدعية بالحقيقة ، إذ قالت دون وعي ولا انتباه منها : ” أنها خلعت حذاءها قبل أن تصعد إلى الفراش ” … فكانت تلك سقطة مدوية جاء أثرها مفجراً وفاضحاً لكذب ادعائها ! فكيف لامرأة يتم اغتصابها بالقوة والإكراه أن تخلع حذاءها قبل أن تصعد إلى الفراش الذي تُغتَصَبُ عليه ؟ …

واستشهد الأستاذ مكرم عبيد بقصة امرأة العزيز مع نبي الله يوسف التي رواها القرآن الكريم : ” واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجَنَ أو عذابٌ أليم ” …

ومع الجلال الذي شمل الموقف والانبهار بذكاء الأستاذ مكرم وحيلته أصدرت محكمة الجنايات حكمها ببراءة موكله …

وكتب الفقيه رجائي عطية في كتاب له عن ذلك فقال بأنه : ” ثمرة لعظمة المحامي الفذ ” .

بسام العطري
محامِ ومستشار قانوني

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى