الاستثمار الخارجي مقابل الاستثمار المحلي
الاستثمار الخارجي مقابل الاستثمار المحلي

الاستثمار الخارجي مقابل الاستثمار المحلي
خاص الدنيا
طالما سعينا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) كحل لزيادة التنمية، ونقل التكنولوجيا، لكن نظرة على التجارب الفعلية في بلاد أخرى تُظهر صورة أكثر تعقيداً:
فليس كل رأسمال أجنبي يُسهم ببناء الاقتصاد، بل أن جزءاً كبيراً منه يركّز على استغلال الفرص الربحية السريعة، دون إحداث تنمية دائمة.
ولا يكمن الفرق بمصدر رأس المال، بل بطبيعة النشاط الذي يُوظّف فيه، فعندما يُوجّه الاستثمار، نحو إنشاء مشاريع تقدم قيمة مضافة (مصانع، بنى تحتية مربحة، مراكز بحث وتطوير)، فإنه يُولّد وظائف مستدامة، وينقل معارف تقنية وخبرات، ويعزز القيمة المضافة المحلية، أما حين يركّز بقطاعات غير منتجة، كالأعمال التجارية، أو احتكار خدمات أساسية كالرعاية الصحية والتعليم، فإن تأثيره يقتصر على تحويل التدفقات النقدية من جيوب المواطنين إلى حسابات خارجية، دون أن يُعيد ضخّها في الاقتصاد الوطني.
هنا يظهر الفرق بين نوعين من الاستثمار الأجنبي:
النوع الأول، الاستثمار التكاملي:
الذي يقوم بنقل التكنولوجيا، وتوطين المهارات.
النوع الثاني، الاستثمار الاستنزافي:
الذي يكتفي بجني العوائد من السوق المحلية، و يُحوّلها إلى الخارج، دون أن يربطه بالبلد سوى الربح.
تدعم التجارب الدولية هذا التحليل، فاقتصادات مثل كوريا الجنوبية والصين وفيتنام لم تكتفِ باستقبال رؤوس الأموال الأجنبية، بل استقبلتها وفق ضوابط صارمة و وجهتها نحو القطاعات الإنتاجية، وربطتها ببرامج تدريب وطنية ونقل معرفي.
فتحولت هذه البلاد من اقتصادات زراعية أو شبه صناعية إلى قوى صناعية عالمية خلال عقود قصيرة، بالمقابل، هناك حالات أخرى، في أمريكا اللاتينية و إفريقيا، اعتمدت بشكل مفرط على الاستثمار الأجنبي في قطاع الموارد أو الخدمات، دون بناء قاعدة إنتاجية محلية، مما أدى لهشاشة اقتصادية مزمنة، وفقد جزئي للسيادة الاقتصادية.
أما الاستثمار المحلي، فيملك ميزة هامة كونه جزء من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلد، يُعيد ضخّ عوائده أو معظمها بالاقتصاد، ويُولّد فرص عمل مستقرة، ويُعزز الطلب المحلي، مما يُسهم في استدامة الدورة الاقتصادية، ويُقلّل من التبعية للخارج.
ومن هنا، فإن التحدي الحقيقي لا يتمثل في رفض الاستثمار الأجنبي، بل في إعادة تعريف العلاقة معه، يجب أن يُنظر إليه كأداة مساعدة، لا كبديل عن البناء الذاتي.
ويجب أن يُشترط عليه، الاسهام في بناء القدرات الوطنية، لا في استنزافها، فالمال وحده لا يصنع تنمية، لكن العلم، والتدريب، ونقل المعرفة، وتمكين الكوادر المحلية هي الي تفعل.
كل ما يحتاجه الاستثمار الوطني هو القضاء العادل، القوانين العادلة والمنسجمة، والحوكمة والشفافية.
فيصل العطري