بيت الطاعة
كنا قد تحدثنا سابقاً عن بعض المفاهيم المغلوطة أو المخالفة لقوانيننا التي أرستها الدراما والسينما العربية (المصرية) فتحدثنا عن مفهوم الخلع والمخالعة واختلاف مضمونه القانوني عمّا طرحته الأعمال الفنية السينمائية والدرامية..
واليوم إذ نتحدث عن مفهوم آخر، وهو ما سُمي اصطلاحاً (ببيت الطاعة) فإننا نتحدث عن مفهوم أو اصطلاح طالما طرحته تلك الأعمال الفنية في كثير من الأحيان عندما تطرح فكرة الزوج الظالم والمستبد، والزوجة الضحية التي تحاول النجاة بنفسها من ظلمه وطغيانه فتحاول أن تلوذ بأهلها أو أقاربها منه، هنا نشاهد الزوج يقتحم البيت الذي لاذت به الزوجة ليهددها إن لم ترجع إلى بيته خلال مهلة معينة فإنه سوف يضطر لإحضار رجال الشرطة إليها ليقوموا بجرّها إلى بيت الطاعة (بيته) وذلك بما له عليها من سلطة قانونية وشرعية أعطاها له القانون والشريعة بوصفه زوجاً لها.
على الرغم من أنني دائم الطرح لفكرة أن الزوج الذي يحاول الاحتفاظ بزوجته رغماً عنها عند يقينه بأنها لا تريده، هو مجرد ذكر لا يمت للرجولة بصلة! إلا أنه تأتيني بعض الحالات التي يهدد فيها الزوج زوجته في حال عدم امتثالها بإحضارها إلى بيت الطاعة…
ولا أبالغ أبداً إذ أقول أن فكرة أو مبدأ بيت الطاعة كان ولا يزال يشكل كابوساً ورعباً حقيقيين لدى الكثير من الزوجات، وذلك لعدم إدراكهن لحقيقة الفكرة وأبعادها القانونية والشرعية، وكذلك في المقابل فإن كثير من الأزواج الذكور في مجتمعاتنا يعتقدون أن الشريعة والقانون قد منحتهم سلاحاً يشهرونه في وجوه زوجاتهم كلّما نشب خلاف بينهم، دون فهم منهم أو إدراك لمقاصد الفكرة وحقيقتها…
تواصلتْ معي منذ فترة سيدة متزوجة، يهددها زوجها المسافر في بلد عربي بأنه سيطلبها لبيت الطاعة لأنها أقامت بغيابه في بيت أبيها، وأنه سيغلق عليها باب البيت بالقفل!!! أجهشت الزوجة بالبكاء وهي تشتكي من زوجها بأنه رغم عدم إنفاقه وتركها وحيدة يهددها الآن ببيت الطاعة. حاولتُ ما أمكنني أن أهدّأ من روعها حتى تستطيع أن تفهم ما سأقوله لها، لئلا يذهب كلامي أدراج الرياح. وبدأتُ أشرح لها فكرة ما يُعرف “ببيت الطاعة”.
-في سورية يا سيدتي ليس هناك ما يقال له بيت الطاعة، بل تُسمى عندنا في قانون الأحوال الشخصية السوري “المتابعة الزوجية” والمستند القانوني لفكرة المتابعة الزوجية هو النص القانوني الذي كرّسته المادة 66 من قانون الأحوال الشخصية عندما نصّت صراحة على أنه “على الزوجة بعد قبض معجلها أن تسكن مع زوجها”. والمتابعة الزوجية هي إجراء قانوني يخوّل الزوج الحق في أن يطلب من زوجته العودة إلى بيت الزوجية، ولكن هذا الحق لا يمتلكه الزوج إلا إذا تحققت عدة شروط.. أهمها: أن يكون الزوج قد أدّى لزوجته معجّل مهرها، وأن يؤمن لها المسكن الزوجي الذي يسكن به أمثاله (أي من هم في حالته ووضعه الاجتماعي والمالي)، وأن لا يُسكن معها ضرّة في نفس الدار التي تسكنها إلا إذا رضيت هي بذلك، وأن لا يُسكن معها في تلك الدار أحد من أقاربه سوى ولده الصغير (غير المميز) إذا ثبُت إيذاءهم لها.
نظرتْ إليّ بدهشة، وسألتني: يعني لا يستطيع أن يجبرني على بيت الطاعة أو كما تقول المتابعة إذا لم تتحقق هذه الشروط؟ -نعم يا سيدتي، بل إنني –كما يقولون– سأزيدك في الشعر بيتاً، فأقول لكِ إن الشريعة وقانون الأحوال الشخصية لا ُيلزمان الزوجة ولا يجبرانها على المتابعة الزوجية (أي السكن في دار الزوج) حتى لو اجتمعت كل تلك الشروط وتحققت، ولها مطلق الحرية في أن ترفض ذلك! فالمحكمة الشرعية – إذا تحققت تلك الشروط – يمكن أن تطلب من الزوجة متابعة زوجها في السكن الزوجي، لكنها (أي المحكمة) لا تجبر الزوجة في أي حال من الأحوال على ذلك، لكن في المقابل أيضاً إذا قام الزوج بتحقيق كل تلك الشروط وطلب من زوجته متابعته إلى مسكن الزوجية فأبت ذلك وتمنّعت تصبح والحال هذه ناشزاً … قاطعتني متسائلة: ماذا يعني ناشز؟ -النشوز يا سيدتي هو امتناع الزوجة عن متابعة الزوج إلى المسكن الشرعي دون أي سبب شرعي مقبول، رغم تحقق كل الشروط التي ذكرناها آنفاً، عندها تغدو الزوجة ناشزاً، وبالتالي يسقط حقها في هذه الحالة بالنفقة الزوجية، كما نصّت المادة 73 وما بعدها من قانون الأحوال الشخصية السوري.
اعتدلت في مقعدها وقد انفرجت أساريرها، وقالت لي وهي تبتسم بمرارة: -لن أخسر شيئاً إذن، فزوجي في كلا الحالتين لا يقوم بالإنفاق عليّ يا أستاذ، كان الله في عوننا. ناشز.. ناشز.. أمري لله يا سيدي!
.بسام العطري
محام ومستشار قانوني- سورية